قال مدير الدعوة والإرشاد بالطائف الشيخ بدر بن علي بن طامي العتيبي: من 13 سنة كنت جالسًا في الحرم المكي في انتظار أذان المغرب للإفطار والصلاة، وجلس بجانبي مجموعة من الكويتيين، وإذا بهم يصرون على إعطائي تمرات للإفطار عليها، وهي كما يحدث من الموجودين في الحرم الذين جاؤوا من كل فج عميق، كل يريد أن يؤثر الآخر، وكل يريد أن يتعرف على أخيه المسلم، في أطهر بقاع الأرض، ويضيف قائلًا: حرصت أن أفطر على التمرات التي أعطاني إخواني الكويتيين بجانبي، وبدأنا التعارف بعد الصلاة، لتستمر علاقاتنا منذ ذلك الوقت هم يأتون سنويًا لمكة المكرمة، ويحرصون على زيارتي، ونلتقي في الحرم في رمضان، وإما أذهب سنويًا إليهم والتقي بهم وأزورهم، ولم تنقطع هذه العادة منذ ذلك الوقت التي كانت بسبب عدة تمرات أفطرنا عليها في بيت الله الحرام، واغلب حواراتنا عن شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز، حيث شرفت أن ادرس على يديه وأكون من طلابه. وهذا كله من بركات شهر الخيرات. وقال الشيخ العتيبي: إن شهر رمضان الكريم، نعمة من نعم الله الشرعية على المسلمين، فمع كونه من أصدق الدلائل على التعبد لله تعالى، والاستجابة لأمره، والامتناع عن الطعام والشراب والشهوة لله تعالى، إلا إن فيه الفائدة النفسية والصحية والروحانية على العبد المسلم، ولا تنقضي عجائب نعمة الصوم، ودلائل جلالة هذه العبادة، ومن ألطف ما في هذه العبادة من حكم إلهية، ورحمة ربانية، أن الله تعالى لما أوجب الامتناع عن الطعام والشراب لم يرد من ذلك تعذيب البشر، ولا قتلهم لأنفسهم، وإنما المراد حبس النفس عن الملذات إظهارًا لتقديم حب الله تعالى على ما تحبه النفس، وصدق الاستجابة لأمره، وإلا فقد أذن الله تعالى للمريض ولمن خاف على نفسه أو كان مسافرًا الفطر ثم القضاء في أيام أخر، وكل منا يذكر من مواقف الفطر والسماحة الإسلامية في ذلك العديد من الوقائع والقصص، ولم يكن للحاجة للفطر حد أدنى من السفر والمرض، فكل ما صدق عليه اسم السفر الشرعي جاز فيه الفطر، وكل ما صدق عليه مسمى المرض الذي يشق معه الصوم جاز فيه الفطر، وأذكر أنني أفطرت مرتين بسبب صداع عارض شق علي به مواصلة الصوم. وأضاف: من الحكم العجيبة في الصوم الترابط الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم، فعندما يحرص البعض على تقديم الموائد خلال العام للكبراء دون الفقراء والمساكين، نجد عامة المسلمين في شهر الصوم يحرصون على تفطير كل أحد، وفي كل مكان! فمخيمات إفطار الصائم وما فيه من توافد للمحسنين عليها، وإقبال للمفطرين من كافة الجهات والبلدان يرسم صورة إسلامية اجتماعية عجيبة. وعندما يدخل المسلم المسجد الحرام قبيل أذان المغرب يجد على كل مائدة من موائد الإفطار منادٍ ينادي إليه، برحابة وكرم ورجاء المثوبة. والأجمل من ذلك في الطرقات يتسابقون على دفع كلِّ شيءٍ للصائمين المارين، ما بين تمرات، وقليل من الماء واللبن.