أتى رمضان، وهو مناسبة روحية عظيمة، لنعيد فتح الصفحات المقفلة، والمشوبة ببعض الكدر، والتي ربما خطت فيها أحداث الحياة ومعاناتها والاصطدامات الإنسانية أثناء المسيرة بعض خطوط سوداء أو حمراء مؤلمة ومؤذية، قد تكون قطعتنا عن البعض، وأشاحت بقلوبنا عن آخرين، ولهجت ألسنتنا، وصدّت مشاعرنا عن البعض، وهي معارك سلوكية نقتحمها وتقتحمنا، فنستسلم لها حينًا، وتستسلم لنا حينًا، وتسلمنا إلى سلوك مشوّش يضر بنا روحيًّا ونفسيًّا، أكثر ممّن وجهنا سهامنا لهم، فمرسل الحراب ينسي دائمًا أن رأس الحربة ونصفها في يده، لذا نجد أن رمضان فرصة لاستعادة صحة البدن، والقول، والسلوك تجاه ذاتنا والآخرين. فلا يكفى أن تجوع وتعطش، وتتعب بدنيًّا ولسانك مازال ينبض بالنقد والقذف والكلمات السلبية والمتردية الموجهة كشرر النار هنا وهناك. ولتبدأ بأهل بيتك، وأعني أسرتك الصغيرة، بما فيهم مَن يعملون عندك، وبحسبة بسيطة اكتشف كم ما تقوله لهم من كلمات قد تكون مؤذية، أو قاسية، وموجعة، وعدد النهرات والتكشيرات وربما اللطمات، وهناك منهج نفسي يمكن أم نتبعه لتربية ذواتنا، ولنكتشف عن طريقه مدى الألم والضرر النفسي الذي قد نكون ألحقناه بالآخرين، وربما أقرب الناس إلينا بقصد أو بدون.. فلو حسبنا يوميًّّا فقط السلبيات القولية والفعلية بورقة وقلم لهالنا ما جمعنا في آخر النهار. ولنعرف حجم ضرر الآخرين ممّا فعلنا وقلنا، فلنتصور توجيه كل ذلك لشخصنا، ولنا أن نتخيل ردود أفعالنا على ذلك، وسيكتشف كل منا أمورًا مذهلة عن ذاته وسلوكياته الشخصية، وعلاقته بالآخرين ونظرتهم إليه، ممّا قد يساهم في تغيير سلوكه تجاه مَن يعايشونه من أسرته أولاً، ثم لتوسيع تجربته لتشمل تدريجيًّا سلوكياته تجاه الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل، وليبدأ بيوم ثم أسبوع ثم شهر، ويعرف بعد ذلك النتائج، ورمضان مدرسة سلوكية متكاملة، فهو فرصة ربانية عميقة لتربية النفس وتهذيبها، لأن أول دروسه كظم الغيظ من كل فعل وقول استفزازي، ممّا يعنى تعديلاً تدريجيًّا للسلوك، قد يثبت مع الوقت إلى عادة وسلوك دائم. ثم لتقوى على ذلك بالخوف على جرح الصيام، بقول المرء اللهم إني صائم، وهو تنفيس رائع عن الغضب، يخفف من حدة تأثيره على الإنسان. احتمال تأثير الجوع والعطش، وانقطاع الشاي والقهوة والنيكوتين، والكثيرون منا لا يستغنون عن كل ذلك في حياتهم اليومية، والانقطاع المفاجئ قبل تكيف الجسم له آثار جسدية ونفسية، وهذا درس آخر في تقوية الإرادة، ولو كان ذلك الجزء من الوقت؛ لأن كل فعل إيجابي يقوم به الإنسان مهما صغر سيقضي بالمقابل على سلبي موازٍ له، والسلبيات السلوكية في رأيي كجبل الثلج، ما أن تهدم جزءًا منه، وتعتاد على ذلك إلاّ وينهار بسرعة، وهذا ما يُسمّيه علم النفس بالإحلال، أي وضع الإيجابي من العادات بديلاً للسلبي، وأن لروحانية رمضان خاصية هامة، وهى إشاعة التسامح والتقارب بين الناس، واتّساع دائرته من الأصغر للأكبر، فمن الأسرة إلى الأهل، ثم المسجد والحي، وهى تربية سلوكية عميقة للمجتمع بكل طبقاته وطوائفه وفئاته، أمّا التكافل الاجتماعي فهو من أعظم واجبات رمضان، وهذا مبحث آخر سنطرقه لاحقًا. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (64) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain