الحديث عن أن الثورات قد تأخذ أشهرا بل وسنوات، هو من باب تكريس الفوضى، وتعطيل استمرارية نسق الحياة الاقتصادية والسياسية لأي مجتمع من المجتمعات، وبالتالي الولوج بأفراده في عوالم مجهولة يصعب معها رؤية بصيص ضوء في نهاية النفق كما يقال، وواقع الحال فلن يتضرر من ذلك الوضع إلا المواطن المسكين، الذي لن يجد له مأوى في الخارج يلجأ إليه، في الوقت الذي يتمتع فيه أولئك السياسيون ممن يؤججون الأوضاع ويكيلونها حشفة، بحريتهم الكاملة في الحركة والتنقل خارج البلاد، وليس ذلك وحسب، بل وتجد كثيرا من عائلاتهم وعائلات المقربين منهم في مأمن حيث هم، يستمتعون بربيع المنتجعات الفاخرة، والأسواق المُكيفة، في الوقت الذي يتلظى مواطنوهم بربيع الثورات العربية . إنها الحقيقة الماثلة اليوم في ثنايا أحداث اليمن، التي يستمتع فيها بعض أقطاب الحركة السياسية في اللقاء المشترك وغيرهم بإجازاتهم خارج البلاد بين الفينة والأخرى، تاركين البلاد والعباد من ورائهم يهيمون في نفق مظلم، وليت أنهم قد اكتفوا بذلك، بل ترى العديد منهم ومن موقعه الخارجي، يعلن بأن الثورات الشعبية يمكن أن تدوم لسنوات، دون أن يُبالي بحال الناس البسطاء، ودون أن يعمل جهده لتحقيق الخلاص بأي صورة مُمكنة، وأن يبحث عن المخارج السياسية المنطقية، طالما أنه لم يملك القدرة على الحسم، والأعجب حين يستمرئ البعض ممارسة لعبة التصعيد السياسي غير المدروس، في وقت تحتاج فيه اليمن إلى كلمة حق، ورأي وسطي مُتعقل، وأطروحات تعمل على إيقاد الشموع لا أن تكرس غياهب الظلام. والسؤال الذي يجب أن يُفكر فيه كل يمني وطني من المتظاهرين في ساحات التغيير هو: طالما وأن الأزمة لم تبرح مكانها بل هي آخذة في التعقيد بشكل أكبر، وطالما وأن الساحة قد تكشفت عن بروز تيارات سياسية وفكرية متنوعة، غير منسجمة في طبيعة تكوينها الأيدلوجي وآليات منهجها السياسي، وطالما وأن النظام لا يزال يحظى بدعم شعبي جلي، ومساندة إقليمية ودولية بقدر نسبي، وطالما وأن الوطن قد أصبح قاب قوسين من الانهيار والتشظي، وطالما وأن الشعب قد بلغ حدا عاليا من المعاناة الاقتصادية والحياتية، بالصورة التي لم يعد كثير من أبنائه يستطيع الصمود أو المقاومة لشبح الفقر المدقع، الذي تتحلل معه الأنفس قبل الأجساد، وتنهار في ظله القيم قبل الآكام، فيتخلى الإنسان عن روحه وما يملك قبل أن يتخلى السياسيون عن أطماعهم ورغباتهم الضيقة، طالما والحال كذلك، كيف السبيل إلى الخروج من هذا النفق المظلم؟ هل يكون بالاستمرار في التعنت السياسي؟ وطرح المبادرات الاستفزازية؟ أم يتحتم الدخول في مسارات أكثر مرونة للوصول إلى الهدف المنشود؟ أسئلة عديدة يمكن طرحها في هذا الباب، لكن تبقى الإجابة مرهونة بالنوايا، وبطبيعة الأفكار والمبادرات السياسية المطروحة. وأنا هنا ومن موقع المراقب المتأمل لا أستطيع إلا أن أقف حائرا أمام إعلان الناشطة الإصلاحية توكل كرمان عن تشكيل مجلسها الانتقالي لحكم اليمن المكون من سبعة عشر عضوا ليس بينهم أي رابط منطقي، في الوقت الذي تسامى فيه الرئيس صالح على مرارة وضعه الصحي وعدد من أركان دولته جراء استهدافهم بالاغتيال وقت أداء صلاة الجمعة، فشدد في خطابه الأول على أهمية القبول بالشراكة السياسية، وفي خطابه الثاني على أهمية ممارسة الحوارالسياسي الجاد، لإنقاذ اليمن وأهله من محنته المعاشة، فأين تكمن شعلة الضوء في سياق المنهجين السياسيين؟ تساءل أترك الإجابة عليه لكم، بأمل أن تجد اليمن من يحمل على عاتقه إيقاد تلك الشعلة. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain