من المتفق عليه، أن للعمدة دورا مهماً في التوعية والإرشاد والنصح وإصلاح ذات البين وحل بعض المشكلات الأُسرية والاجتماعية، وهو دور تقليدي تعود جذوره إلى عشرات السنوات، أسهم في تثبيت مرجعية اجتماعية معتبرة، وتواتر العرف على توقيره والاحتكام إلى رأيه، بوصفه صمام أمان لسكان القرية أو الحي، يحل مشكلاتهم، ويعمل على تفعيل الأنشطة الدينية والاجتماعية، ونشر الحس الأمني والتعاوني بين السكان. والعمدة في مصر - على سبيل المثال - امتداد لاسم «شيخ البلد»، يتم عادة تعيينه من الحكومة لضبط الأمن، وله مساعدون يسمونهم «الخفر»، وكبيرهم يسمى «شيخ الخفر»، ومايزال دوره قائما، ومع اتساع رقعة المدن في المجتمعات المدنية الحديثة، أصبح دور «العمدة» محدودا، لكنه يبقى شخصية تحظى بالقبول، فبالرغم من القوانين والأنظمة الاجتماعية والإدارية الحديثة، إلا أن بعض الناس يفضلون التعامل مع العمدة لحل بعض المشكلات العائلية، وفض النزاعات الاجتماعية في بعض الأحياء والمجتمعات ذات المساحات المحدودة، والقرى ذات الكثافة السكانية القليلة، وهو دور برع فيه أيضا بعض المسؤولين في بعض الإدارات والدوائر الحكومية، في محاولة للتملص من تطبيق بعض القوانين المراعية لحقوق الناس وواجباتهم. فمن العجيب أن ترى بعض الموظفين والمسؤولين، يخلعون زيّهم الوظيفي، ويتقمصون دور «شيخ البلد»، ويعقدون مجالس صلح بين الموظفين المختلفين، ويحثونهم على التنازل، ويحاولون الوصول إلى تسوية بين أطراف القضية، ولو على حساب حقوق بعضهم، ويلجأون إلى أسلوب «تكفى» و «امسحها في وجهي» في محاولة لتطييب الخواطر، عوضا عن تطبيق الأنظمة واللوائح الإدارية، وإعطاء الحقوق لأصحابها، وتفعيل دور الحوافز الوظيفية والرقابة الداخلية بإنصاف وتجرد، دون محاباة أو انحياز أو مزاجية، كما تراهم يضطرون إلى «حب الخشوم»، لاحتواء قصورهم في تحقيق أهم متطلبات العمل الوظيفي: الاحترام والتقدير. لاشك في أن «للعمدة» قيمة تاريخية أصيلة، ودورا مهما في بعض المجتمعات، لكنه لا يصلح لكي يقوم به بعض الموظفين، الذين يعملون ضمن مؤسسات حكومية مدنية لها تنظيمها الإداري، وإجراءاتها العملية، التي من المفترض تفعيلها بشكل يحفظ حقوق المواطنين، ويسهل أداء واجباتهم على أكمل وجه. [email protected]