من منا لا يطوف به خياله السارح في لحظة استرجاع للذاكرة واستحضار للماضي الجميل المفعم بروائع الطفولة ليجد نفسه أمام شاشة التلفزيون وما كان يقدمه للأطفال من مغامرات ومسلسلات كرتونية بريئة.. تلك المغامرات الكرتونية المحمّلة بكثير من القيم العالية الداعية للشجاعة وحب الخير ومساعدة الآخرين.. وكيف استطاعت أن تنقش أحداثها الطفولية البريئة في جدران الذكريات لجيل ذلكم الزمن الجميل، وكيف تم من خلالها بث رسائل ذات قيمة سامية توطن الألفة والحنان والشجاعة والاعتماد على النفس في نفوس النشء.. مغامرات بسيطة تحاكي عقول الأطفال وقد كُتب التوفيق لمؤلفيها ومخرجيها.. فهي اليوم منقوشة في ذاكرة أبناء جيل ذلك الزمن الجميل المحمل بأروع الذكريات، والتي تفوح بذكراها نسائم الماضي الزكية، وتسرح في فضاء من الحنين لبساطة الطفولة. ولا نعجب كثيرًا إذا ما عرفنا أن أكثر مصدر لتلك المسلسلات الكرتونية القديمة هو القصص الحقيقية والواقعية والروايات العالمية، كما في المسلسل الكرتوني «فتاة الجبل»، أو «هايدي» وهي رواية كتبتها جوهانا سبيري في عام 1880 وهي من أشهر كتب الأطفال العالمية بعنوان: «هايدي فتاة الجبال» و يتحدث عن فتاة يتيمة تنشأ في قرية صغيرة بجبال الألب في كنف جدها وتضطر للذهاب إلى المدينة للعيش مع أسرة ميسورة. ومسلسل «فلونة» الكارتوني قصه مستوحاة من الرواية الشهيرة لحياة روبنسون كروز ومغامراته المدهشة وهي للكاتب الإنجليزي دانييل ديفو. وكذلك «جزيرة الكنز»، ولعل هذا ما أكسبها مخاطبة عقول الأطفال ولترسم في جدران الزمن أجمل اللحظات. ومن أبرز مقوّمات نجاح مسلسلات الكرتون القديمة اعتمادها على اللغة العربية، ومما يُسجل لمخرجي تلك الأعمال هو حسن اختيار الشخصيات وأداء الأدوار، فمن لا يطربه صوت الأستاذ وحيد جلال وهو يؤدي دور «جون سلفر» في «جزيرة الكنز»، وصوت الأستاذ جهاد الأطرش في دور «دايسكي».. حقًا إنهم عمالقة الدوبلاج. ومن برامج الأطفال الجميلة والهادفة للزمن الجميل برنامج «افتح يا سمسم» وهو من إنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون والذي افتقدنا إنتاجه كثيرًا في الأعوام الأخيرة.. فقد كان برنامجًا تعليميًا ينتهج طرقًا تعليمية رائدة عبر المحاكاة وإبراز المواطن السلبية والإيجابية في حياتنا اليومية وبث رسائل تعليمية لكل فئات الطفولة. أما اليوم فعتبي كثير وأسفي عميق على مخرجات اليوم وما يُقدم للطفل من برامج لا ترقى لأن تكون على الشاشات.. فبعض القنوات والتي ترى من نفسها أنها متخصصة في برامج الأطفال تقدم أعمالًا أقل ما تُوصف به أن يقال عنها إنها هابطة.. فهي خيال شاطح.. وطرح لا يتفق مع رؤية طفل.. وأشكال ورسوم لشخصيات مخيفة مفزعة لا تحمل أي قيمة فيما تقدم سوى الخيال الذي يترك أثرًا سلبيًا في نفس الطفل. برامج الأطفال اليوم مفرغة من كل مضامين النهج التعليمي.. غابت منها القيمة التعليمية.. وافتقرت كثيرًا لنهج الاقتداء.. تاهت خطوة بث السلوك القويم.. وما يندى له الجبين هو التقدّم العلمي المهول والذي استفادت منه كل شرائح البشرية على وجه المعمورة إلا الطفل العربي.. الطفل العربي الذي هو اليوم في أمسّ الحاجة لأن يُقدم له شيء يُخرجه من دوامة الصراعات من حوله.. كي يهنأ بما كان يقدم في الماضي.. وكلي أمل ورجاء أن يعيد التلفزيون السعودي شيئًا من تلك البرامج الطفولية الهادفة.. رجاء أحمله عبر جريدتي الموقرة لمعالي وزير الثقافة والإعلام.