أحدثت قصة الطفل أحمد الغامدي بدءاً من اختفائه وانتهاءً بوجوده مقتولاً في أبشع صورة يمكن أن يتخيلها العقل أكثر من علامة استفهام حول الممارسات التي تواجه الأطفال سواءً أكان ذلك إيذاءً نفسياً أم اعتداءً جسدياً أم حرماناً تعليمياً ، والمؤلم في هذا كله أن المُتسبب فيها هم من كان يُؤمل فيهم منْحه كل المتضادات لتلك الممارسات السلبية. ملف مؤرق كهذا يجب أن يُفتح بكل موضوعية بعيداً عن الإسقاطات الجوفاء المُنادية بأن هذا حق من حقوق الأسرة ليس لأي أحد التدخل فيه ؛ لأن الوقائع التي بدأت تبرز على سطح المشهد الاجتماعي مؤشر خطير على فقدان الأهلية لبعض الأسر في القيام بدورها الطبيعي تجاه أطفالها ، الأمر الذي يعني أننا أمام تحديات لا يُستهان بها لمعالجة هذا الوباء الذي بدأ ينخر في جسد الطفولة ، ويُكسِّر نظرتها البريئة تجاه الحياة ، ويُحطِّم طموحاتها المستقبلية ، ويئد آمالها في مهدها. إن البدء في دراسة هذه الظاهرة علمياً مطلبٌ حتميٌ للوقوف على مُسبباتها ، ومعرفة دوافعها ، بهدف وضع الحلول السليمة لها ، في خطوة أولى للحد من انتهاك حُرمة الطفولة ، وضمان عدم تعاظمها ، لكي لا نفقد المزيد من الطاقات البشرية التي من المُحتمل أن تقود مُجتمعها في المُستقبل ، ناهيك عن أن الحفاظ عليها من أبسط مُتطلباتها كفئة لها حقوق بعيداً عن أي اعتبارات أخرى ، وعدم إحالة الدافع لارتكاب مثل هذه الجرائم مباشرة إلى الإصابة بالمرض النفسي أو أنه تحت تأثير مُسكر أو مُخدر مع وجاهة هذين السببين واحتمال توافرهما إلا أننا حملناهما الكثير في تبرير ما يُرتكب من جرائم ، وهذا يُعطي الجاني أملاً في أنْ يجد له مخرجاً للنجاة من العقاب الدنيوي ، وتناسى أن العقاب الأخروي أشد وأمضى. لقد أكدت الحادثة المُفجعة جانباً عدوانياً لدى بعض الأشخاص ، قد تعود إلى ترسبات ماضوية وانعكاسات لواقع كان يعيشه ، أو انتقاماً من شخص أو ردة فعل لحالة خاصة ، لكن الأدهى والأمَّر أن تصدر مثل هذه الجريمة من حواء التي يكتنز قلبها عاطفة على الكبير قبل الصغير ، وتتميِّز كينونتها بالتضحية والإيثار ، وتنداح رقتها على متن الزمن لترسم للحياة إطاراً جميلاً لا يقدر على خَطَه سواها ، مؤلم جداً أن تتحول طبيعتها الأنثوية الحنونة إلى شخصية عدوانية متوحشة تُصفي حساباتها مع شغب الطفولة بالموت ، لا والموت المُخطط له. وقع هذه الجريمة يختلف عن أن أي جريمة أخرى ؛ لسبب بسيط يعود إلى أن المجني عليه طفل لا حول له ولا قوة والجانية زوجة أب من المُفترض أن تكون في مقام الأُم وبين ضعف الطفل وتجبُّر الزوجة نُطالب بأن يكون العقاب تعزيرياً من جنس العمل ؛ لكي تطمئن الأنفس الغضة على نفسها ، وترتدع الأنفس الجبَّارة عن ممارسة طيشها الجنوني ، وإبراز حقدها الدفين على حساب براءة الطفولة.