خلال الشهور الماضية مرت بنا ذكريان أليمتان إحداهما للنكبة وهي احتلال فلسطين عام 48م , وطرد الشعب الفلسطيني وتهجيره وتشتيته في كل اتجاه ، والثانية للنكسة عام 67م لابتلاع ما تبقى من فلسطين ، وقرارات أممية معطلة 242 و338 ، وقرار الجمعية العامة 194 الذي يقرر حق العودة للاجئين مازال حبيس أدراج الأممالمتحدة يعلوه الغبار , والكونجرس الأمريكي يقدم أعضاؤه مشروع قرار يؤكد على السياسة الأمريكية الثابتة تجاه مصالح إسرائيل فقط والفلسطينيون ليس لهم مصالح لأنهم ليسوا بشرا، ويعارض أية عودة إلى حدود عام 1967م؟!! وكالة «فرانس برس ذكرت أن هناك مشروع قرار قدمه السيناتور الجمهوري اورين هاتش مدعوما من قبل ثلاثين عضوا، اعتبر أنه يتعارض مع سياسة أمريكا ومع أمنها القومي العودة إلى الحدود الإسرائيلية كما كانت عليه في الرابع من يونيو 1967م، مؤكدا أن سياسة الولاياتالمتحدة هي مساعدة إسرائيل على «الحفاظ على حدود آمنة ومعترف بها ويمكن الدفاع عنها». في حين أن الفلسطينيين ليس لهم حدود آمنة ومعترف بها ويمكن الدفاع عنها؟!! أمر مضحك بل مخجل من عضو كونجرس يفترض أنه ينادي دائما بالمساواة وحقوق الإنسان كونه في بلد ديمقراطي. بالطبع ما أوردته وكالة فرانس برس ليس بمستغرب على الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض التي دائما تعمل في كل اتجاه من أجل الحيلولة دون الاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة ،على الأقل ما تم احتلاله عام 67 م ، ضمن حدود آمنة ومعترف بها والقدس عاصمة لها وعودة اللاجئين إلى بلداتهم وممتلكاتهم في فلسطين والبركة بالطبع باللوبي اليهودي الذي هو من يسقط أي رئيس أمريكي وينجح آخر وليست إرادة الشعب الأمريكي وصندوقه الانتخابي. أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة اسمها ظلم الشعوب والمماطلة بإعطائها حقوقها المشروعة , وهما الآن تدركان وتعيان جيدا أن الثورات الشعبية في بعض مناطقنا العربية ، وعلى وجه الخصوص الذي حصل في مصر ، حررها من التبعية الأمريكية والإسرائيلية ، وأصبح شباب مصر في تكتل واحد ضد الغطرسة الإسرائيلية المحمية بغطاء أمريكي . رئيس وزراء إسرائيل السيد نتنياهو أصيب وحكومته المتطرفة وغيرهم من حكام إسرائيل بالهلع من تلك الثورات الشعبية ، وأصبح يطير سرا وعلانية إلى أمريكا وغير أمريكا طالبا منها ماذا يعمل؟ فالطوفان العربي على الأبواب . والكارثة الآن أن ذلك الطوفان ليس طوفان حكومات تهدد بإسقاطها إذا لم ترضخ لتهديدات أمريكا وإسرائيل بل تهديد شعوب عربية أمسكت بزمام الأمور بدلا من حكامها وبالتالي سوف تتخذ قراراتها على شبكة التواصل الاجتماعي اليوتيوب وتويتر والفيس بوك وغيرها من أجل تحديد يوم للزحف على فلسطين من كل حدب وصوب ولن تستطيع إسرائيل ولا أمريكا أن تفعل شيئا. فمشروع القرار لذلك السنيتور الأمريكي ومن معه من اللوبي اليهودي قد يكون مبررا لو كانت تلك الثورات ثورات عسكرية وانقلابات وليست ثورات شعبية لا تستطيع أية حكومة كانت من إسكاتها وإخراسها . ولكن يبدو أن الموضوع هو عبارة عن لعبة تقوم بها إسرائيل مع بعض أعضاء الكونجرس الموالين لها من أجل إقناعنا نحن العرب أن ما سوف نعطيكم هي حدود 67 فقط ولا تطالبونا بأكثر من ذلك ، ولكن هذا كان على زمان التبعيات لبعض الأنظمة العربية لأمريكا وإسرائيل أما الآن وعلى الأقل في مصر , الدولة العربية الوحيدة التي تعتبر من دول المواجهة والتي لها ثقلها في عالمنا العربي لوجود جيش قوي كما ونوعا مدعوما بتلك الثورة الشعبية وفي الوقت ذاته يحميها , فانك لا تستطيع أن تفعل أي شي لأن شباب مصر سوف يسقطون أية حكومة لا تراعي مصالح مصر وشعب مصر ومصالح العرب والشعوب العربية . إسرائيل في يومين فقط , في ذكرى النكبة وذكرى النكسة , انتفضت واستنفرت جميع جيشها وقواتها ، فحدودها مفتوحة ، والرصاص لن يثني أصحاب الحقوق من المضي قدما في اختراق حدود أراضيهم المحتلة بالقوة من قبل دولة بنت دولة على أراضي الغير بقوة السلاح والغطرسة ، وبغطاء من الدول العظمى وقديما قيل «أنه لا يضيع حق وراءه مطالب» . من يلحظ سلوكيات حكام إسرائيل، بعد ثورتي تونس وشباب مصر وغيرها من الثورات , يجد أنها سلوكيات محسوبة بكل دقة إلى حد ما أكثر من ذي قبل ، فلم نر هجوما على غزة مثلما كان يحصل بشكل يومي بالطائرات والبوارج البحرية والجيش لأنها تعرف أن لكل فعل ردة فعل . فثورة شباب مصر سوف تفتح معابر غزة على مصراعيها وسوف يمدونها بالسلاح بل وبمظاهرات شعبية عارمة تمتد من وسط ميدان التحرير قد تصل إلى تل أبيب , فلا نووي إسرائيل سوف ينفعها ولا طيرانها ولا حرس حدودها ولا أسطورة جيشها الذي لا يقهر، لأنه سوف تكون هناك ثورات شعوب سوف تطيح بمن يقاومها مهما كان متغطرسا ومدججا بالسلاح فإرادات الشعوب لن تقف أمامها آلات حرب لان الإرادة أقوى من كل شيء. إسرائيل تعي وتدرك جيدا بأن تلك الثورات الشعبية مع دول المواجهة ليس من صالحها البتة وبالتالي هي حائرة لا تعرف ماذا تعمل ؟ وتلخبطت جميع أوراقها وخططها ذات الأرقام الأبجدية المتعددة فهي أمام أمر واقع اسمه ثورة شعوب وليس ثورة حكام يأتون بالانقلابات وباغتصاب السلطات ويطلبون دعما من أمريكا وإسرائيل ضد شعوبهم للمحافظة على كراسيهم . إسرائيل اليوم في ورطة وفي مأزق كبير , وحتى مراكزها البحثية التي توجه سياسات حكامها تعطلت عن العمل فهي أيضا احتارت مع هذا الوضع الثوري في بعض مناطق عالمنا العربي غير المتوقع حدوثه ولم يكن في الحسبان الآن على الأقل. فمن يتخيل رؤساء يطاح بهم الواحد تلو الآخر بل ومحاكمتهم بهذه السرعة؟!! . مليارات إسرائيل وأمريكا والتي كانت تذهب لجيوب بعض الحكام لشراء ذممهم أصبحت غير مجدية لأن الظلم مهما وقع على الإنسان فانه لا بد من أن يأتي يوم ينجلي فيه ذلك الظلم . الموضوع الآن ليس فزاعات القاعدة وابن لادن والظواهري والزرقاوي وغيرهم الذي أتعبنا به الغرب وإسرائيل وبعض الحكام العرب على مدى أكثر من عقد من الزمان . الموضوع الآن انكشف وتعرى وبان للجميع وأن مقولة «أنه لا يصح دائما إلا الصحيح» هي القادمة في عالمنا العربي فما بني على باطل فهو باطل , والظلم لا يطول طالما أن هناك صدورا عارية تتصدى لبنادق العدو وغطرسته تريد فرض إرادتها وأخذ حقوقها المغتصبة بأي ثمن كان . فالشعب الفلسطيني الشقيق الذي يعاني الأمرين تنفس الصعداء خلال ذكريي النكبة والنكسة ، وأن من هاجر إلى ما وراء حدود وطنه سوف يأتي الآن قادما من شمال وشرق وغرب وجنوب فلسطين ، وتخلص من المستقبل المشؤوم , ووجد أن هناك بوادر أمل وتفاؤل بعودة فلسطين إلى أهلها الفلسطينيين مهما طال الزمن . ولكن تبقى ذكرى النكبة وذكرى النكسة ذات طعم ونكهة خاصة هذا العام 2011م ولأول مرة , وعام 2012م قد يكون هو عام التحرر من الغطرسة والاستبداد والظلم الإسرائيلي والظلم الدولي والأممي الذي يكيل بعدة مكاييل ولديه ازدواجية في المعايير.