· في حماة هجومنا اللفظي العارم ؛ و سيول اللعنات والشتائم التي مازالت تتوالى على المجرم الذي اغتصب - بحسب الإحصائيات المعلنة - ( 13 ) طفلة .. تبدو ثمة ايجابية وحيدة لهذه القضية المفزعة .. هي عودة الحديث جهراً عن ( التحرش الجنسي بالأطفال ) .. تلك القضية المؤرقة التي غالباً ما نواجهها بالسكوت والصمت السلبي ، الأمر الذي ساهم في تفاقمها وازديادها بشكل لافت .. وهو صمتٌ محير لا أخفيكم إنني لم استطع فهمه أو تفسيره .. فإذا كنا نتفهم صمت أهالي الضحايا خوفاً من الفضيحة.. فلماذا يتم التستر على أولئك المجرمين، ولماذا ينكر البعض وصول التحرش بالأطفال في مجتمعنا إلى مستوى الظاهرة التي تستوجب التدخل والدراسة .. وكأنهم يريدون التستر على مجتمعنا كي يبدو أمام العالم وكأنه مجتمع ملائكي لا شواذ فيه !. · الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوات حلها .. و حتى لا يعود الكتاّن كما كان- كما هي عادتنا في كل قضايانا ؛ فورة جامحة و صراخ و شتائم سرعان ما تنطفئ بعد فترة - فانه يجب علينا الاعتراف أولاً وبصوت مسموع أن التحرش الجنسي ضد الأطفال وصل حداً يستوجب التدخل ، ليس فقط في الشارع حيث الوحوش الآدمية ومن لف لفها من العمالة السائبة ، بل حتى في المنازل فأغلب جرائم اغتصاب الطفولة تتم داخل دهاليز الأسرة ومن الأقارب أنفسهم ، لذا لا يتم الإعلان عنها .. ناهيك عما يحدث داخل أسوار المدارس التي أصبحت مجالاً خصباً للتنمر و التحرش بكل أشكاله بسبب ما تعيشه من فوضى ، وبسبب بعض أنظمتها البالية التي تجيز بقاء الطالب في المرحلة الابتدائية حتى سن 16 عاماً . · كل هذا يستوجب فتح هذا الملف الشائك بجرأة وجدية ، وعلى أعلى المستويات ، حفظا للبراءة وحماية لها ..فإذا كان كل طفل مُهمَل ( ذكرا كان أم أنثى ) هو مشروع طفل مغتصب ، ومشروع شوكة جديدة في خاصرة المجتمع بما سيحمله من سلبيات و عقد نفسية .. فان علينا - في ظل سلبيتنا وسكوتنا عن هذه الجرائم – وتحرجنا من مناقشتها علانية توقع المزيد من الانتهاكات التي ستحيل أطفالنا إلى جيل سلبي محطم حتى لا أقول شاذاً . في فيلم (عمارة يعقوبيان) المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للدكتور علاء الأسواني تبدو شخصية الصحفي الشاذ مثيرة للتقزز والكراهية في آن معاً .. لكن المخرج وفي مشهد صغير في آخر الفيلم يثير شفقة المشاهد على ذلك الشاذ عندما يعيد سبب شذوذه إلى ما كان يمارس ضده كرها في طفولته من الخدم خلف الأبواب المغلقة .. وهي رسالة لكل الآباء لا تحتاج إلى مزيد من الشرح . · لاشك أن صمت الأسرة و الإعلام و المؤسسة التربوية و ما نتج عنه من ضعف وعي أطفالنا في طريقة التعامل مع الغرباء هو أكثر ماراهن عليه ذلك الوحش ، وإلا فكيف يمكن تفسير استدراجه ل ( 13) طفله من الأسواق والأماكن العامة إلى متكئه حيث ( شيشته ) و (شاشته ) وسجادته الحمراء ، دون أن تتصرف إحداهن كما يجب . · كل قواميس الشتائم .. وكل الدعوات واللعنات لن توقف هذه الوحوش ما لم نكسر حاجز الصمت تجاه هذه الظاهرة من قبل مؤسسات الدولة ومراكز البحث ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للحد منها ، و للتقليل من آثارها النفسية والاجتماعية الخطيرة بالنسبة للضحايا .. مع ضرورة سن عقوبات رادعة تتناسب وهذا العمل الحيواني المقزز . · ليس دائما يكون السكوت من ذهب .. فأحيانا يكون الصمت عن الجريمة جريمة أكبر. [email protected]