يبدع الشاعر الخالد بشعره (المتنبي) في امتهان الذل كيف لا وهو الذي أبت كرامته وعزة نفسه الهروب فواجه من لا طاقة له بهم حينما ذكرّه مرافقه ببيت من أشعاره فقضى نحبه.. يقول المتنبي . ذلَُّ من يغبط الذليل بعيش رب عيش خير منه الحمام فمن تهون عليه نفسه ويرضى بالعيش الذليل هو بمثابة الأموات. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام والعرب الأوائل من أشد الأمم اعتزازا بأنفسهم وصوناً لكرامتهم لكن بعض الناس لا يدركون معنى وقيمة الكرامة وعزّة النفس لأنهم لم يألفوها رغم أنها قيمة لا تعادلها كنوز الدنيا الفانية وهي أخلاق رفيعة لا ينعم الله بها إلا على الأبيّ العفيف الذي لا يتنازل قيد أنملة عن كرامته ويذود عنها ويضحّي بالغالي والنفيس من أجل الحفاظ عليها والسؤال المطروح ترى ما الذي جعل مثل تلك الصفات المقيتة تستشري بين الناس وتبلغ مداها في هذا الزمن؟!.. إن الأمر متشعب وله جذور فثمة (مرشحّات) كما يصفها خبراء الاتصال يحملها كل إمرىء ويتصرف من خلالها ويجري اتصاله وتواصله مع الآخرين من خلالها إذ يخضع كل ما يرده أو يصدر منه لتقييمها وتمثل تلك المرشحات عدد من العوامل التي تلعب دوراً بارزاً في تكوينها مثل البيئة/ الثقافة /التعليم / والمعتقدات والعادات/ التربية وحرّى بنا أن نزرع في نفوس النشء صفات العزّة والكرامة لنستدرك من الجيل القادم ما فقدناه في الجيل المعاصر الذي رضي الهوان في كل شيء ولو أمعنا النظر فيما حولنا لوجدنا أن الضعف والذل هو ما جعل أعداءنا يتربصون بنا ويمعنون في سرقة أراضينا والاعتداء على حقوقنا والكذب والبهتان علينا دونما حق لأننا فقدنا الكرامة وعزة النفس التي كان يقاتل من أجلها العربي المسلم الأبي قال تعالى(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وأنتم الأعلون) والأمر كما ينطبق على الأمم والشعوب ينطبق على الأفراد فمن يتنازل عن عزة نفسه ولا يصون كرامته في العمل سوف يضطهده رؤساؤه والعاملون معه وكذلك الصاحب مع أقرانه والفرد في أسرته إنها دعوة لإعادة بناء كرامة الأنسان والذود عنها مهما كلّفه ذلك من ثمن.. إن الأمة الإسلامية اليوم معنية بالثأر لكرامتها وإعادة العزة لأهلها والبدء بمشروع إغاثتها على المستوى الديني والأخلاقي الذي يعد هو العمود الفقري لكل تغيير ونهضة..ولذلك لابد أن نغرسه في نفوس الأبناء والبنات حتى ينشأ كل منهم ويأبي إلا أن يعيش عزيزاً وسوف ينعكس ذلك على نفسه حسب تشعب نفسه بتلك الصفة الفاضلة ونجاحنا في غرسها وبذرها منذ الصغر فهي الثروة العظيمة الغالية في رصيد الشخصية السوية الأمر الذي يعزز ثقته بنفسه فيقدر إمكاناته ويعتز بإنجازاته فيجعل (نفسه) وشخصيته في دائرة الحسابات المهمة التي لا تقبل التعدي عليها فهي بمثابة الخطوط الحمراء غير أننا لا ننسى عند التربية الموازنة والفصل مابين الإعتزاز بالنفس والتواضع وعدم الكبر الذي هو رذيلة أبتلي بها الجاهلون ...