الفن لغة وجدانية استخدمها الفنان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته، ومن خلاله يبحث عن إعادة صياغة الواقع والغوص في المجهول وتعدد الاحتمالات؛ فيحتاج المتلقي للتذوق العقلي والوجداني لفهم طرحه للواقع المختزل، فالفن كما يراه “هيغل” يبدو مجرد مرحلة تحضيرية تؤدي إلى المعرفة المطابقة للواقع والإدراك الفلسفي لنشوء الذات والموضوع معًا.. وهذا ما قدمه الفنان محمد الخطابي في معرضه الشخصي الأول المقام في المدينةالمنورة ضمن فعاليات مهرجان طيبة الشبابي الأول. حيث عرض الخطابي تجاربه التي أنتجها خلال 12 سنة بواقع 52 عملًا فنيًا للوحات من مختلف المقاسات والأحجام تبرز إلى جانبها أعماله الخزفية المجسّمة مع تنوع الأساليب بين الواقعية والسريالية والتجريدية التعبيرية، التي لا تخضع لمقارنتها بالواقع بل تعتمد على المفردات الحسية، فجاءت لوحاته مليئة بالدلالات، مجسّدًا من خلالها المواضيع التراثية والطبيعية والوطنية والإنسانية والروحانية، فنرى التأليف الفني في تجاربه التصويرية يتناول مواضيع مختلفة تكشف بعضها عن ارتباطه بالمواضيع الشعبية والعادات والتقاليد بتكوينات يبتعد في معظمها عن الواقع التسجيلي بمساحات لونية تجعل عمله أكثر تحررًا، جاءت مساحاته باتجاهات مختلفة طوليًا وعرضيًا في تقاطع متزن لينشئ إيقاعًا حركيًا بالخطوط الليّنة المترابطة التي تعطي المشاهد شكلًا من التكوين محاولًا ربط مفرداته برباط مستمر متحرك ليحقق الوحدة للموضوع الذي يعبّر عنه.. أما أعماله الخزفية فتناولت المواضيع التراثية والإنسانية مركزًا على دور المرأة وما تحمله من قدرات روحية ونفسية، ودورها الحياتي الطبيعي في بناء جيل جديد قوي في عقيدته يتربى في حجر أمومة حانية حكيمة.. فالأمومة من أقوى الغرائز في المرأة، فهي هنا واقفة لا تريد الراحة، بل ترغب في مزاولة نشاطها وأمومتها ليرمز من خلالها إلى الفرح بتجديد الحياة والتغلب على الآلام والأحزان، فهو هنا يربط لنا الحياة بالأمل والتجديد.. قاصدًا أن تكون الوجوه حاضرة ببعض تفاصيلها لكونها المصدر الذي يشتق منه “الكلام والصمت”، فيعرض أجسادًا متعدّدة تحمل وجوهًا متنوعة تصمت وتتحاور مع بعضها، فتخبر وتصف حال أصحابها، وجوهًا لا تدهشنا بجمالها، فهو لا يبحث هنا عن الجمال المادي، بل يبحث عن الملامح الإنسانية المستوحاة من الحياة اليومية، فيبحر بنا الفنان نفسيًا في أعماق نبض الإنسان والفنان على السواء، فكلاهما نبض واحد لا فرق بينهما وإن أبدع الفنان في إظهار تلك المشاعر والأحاسيس. ويقر كروتشيه بضرورة تمييز المضمون والصورة في الفن موضحًا أن الفن تركيب فني قبلي للعاطفة والصورة في الحدس. فالفنان التشكيلي قادر على التعبير بأدواته الفنية التي يشكّلها من صيغ وجدانية متنوعة بمفردات ومجموعات لونية منسجمة، فوجود الألوان المتعدّدة هو تعبير عن متغيرات الحياة. أما مجموعته الخزفية فجاءت بتلاعب لوني جميل ليقدم لنا فكرة معينة، فأصبح اللون مرتبطًا بدلالات درامية المضمون تتراوح بين البّني بدرجاته مع الأصفر؛ ليعبّر عن حالة الخوف والتوتر التي يعاني منها الإنسان تتخللها مسحات من الأخضر وبعض الفراغات والفتحات التي تبرز كأشكال هندسية كرمز لوجود الأمل والخروج من حالة القلق والتوتر والتغلّب عليها في أعماله المعروضة إلحاح على الوجود الإنساني بصيغ مختلفة مع حسن تعامل الفنان مع اللون والشكل؛ مما جعل لوحاته تتميّز بجمالية مظهرها اللوني والشكلي البسيط.