من فوق منصة القضاء إلى منصة المتظاهرين في ميدان التحرير، وقف المستشار هشام البسطاويسي ليؤكد حق الشعب المصري في حياة كريمة قوامها المساواة والعدالة. والحق أن احتجاج المستشار البسطاويسي المرشح لرئاسة مصر على سوء الإدارة وسوء الأوضاع عمومًا بدأ مبكرًا وتحديدًا في بداية التسعينيات عندما احتج على وقف قاضيين مصريين عن العمل في دولة الإمارات. لكن شهرة البسطاويسي ذاعت كثيرًا عندما تصدّى لتدخلات حكومة مبارك في الانتخابات البرلمانية، وتزويرها قبل أن تقرر إلغاء الانتخابات في الدائرة التي كان يشرف عليها رافضًا ضغوط وزير العدل وقتها. ولا يخفي البسطاويسي انحيازه للعمال والفلاحين والطبقات الوسطى والمحرومة، أملاً في التخلّص من ضغوط الفقر والجهل والمرض.. ويبني المستشار البسطاويسي برنامجه على مبدأين أساسيين هما التغيير والتنمية.. الأول يقوم على إعادة بناء جميع مؤسسات الدولة على أساس ديمقراطي.. والثاني يتعلق بكل ما يهم محدودي الدخل وأصحاب المعاشات. وبإصرار شديد يرفض البسطاويسي تصنيف نفسه وفق تيار أو توجه معين باعتباره قاضيًا له علاقات وطيدة مع كل التيارات. إلى التفاصيل: * متى اتخذتم قرار الترشيح للرئاسة؟ ولماذا؟ - عندما بهرني شباب وشعب مصر العظيم بخروجهم لم يكن في تفكيري سوى أن يتحقق الحلم الذي طال انتظاره، واستطاع المصريون أن يجبروا مبارك على التنحي.. وحدثت المعجزة بفضل الله، وتلا ذلك قيام مجموعة من أصدقائي من مختلف القوى السياسية يطالبوني بإعادة التفكير في موضوع الترشح الذي سبق وتم عرضه علي سنة 2006م ولكن لعدم صلاحية النصوص الدستورية والقانونية في ذلك الوقت لم أتمكن من وضع الفكرة في حيز التنفيذ.. وزاد اهتمامي عندما وجدت إصرارًا ودعاوى من كثير من شباب الثورة يطالبونني بالترشّح، ويرغبون في أن أكون ممثل المصريين في المرحلة المقبلة، فقمت بالإعلان عن نيّتي في الترشّح في أول مؤتمر شعبي قمت به.. ووجدت أكثر السياسيين مهتمين بالتغير الديمقراطي بالدرجة الأولى، وهو مطلب أساسي، ولكني أردت أن يكون هذا المطلب في المرحلة المقبلة بشكل يعود بالفائدة المباشرة على العمال والفلاحين والطبقات الوسطى والمحرومة، وإعادة الاعتبار لهذه الطبقات والتخلّص من ضغوط الفقر والجهل والمرض. * ما هو تقييمك للمرحلة الحالية التي تمر بها مصر بعد ثورة 25 يناير؟ - كنت دائمًا أتوقع وأنتظر حدوث ثورة منذ 2008م تقريبًا، وأعلنت ذلك أكثر من مرة بل أبلغت ذلك لمبارك ونظامه السابق، ولكنه كان لا يريد أن يرى أو يسمع.. وكنت أعلم جيدًا انها إذا حدثت فلن يستطيع أحد أن يقف أمامها، وكان هذا نابعًا من ثقتي في الشعب المصري.. وقد فعلها المصريون وبهروا العالم كعادتهم على مر التاريخ وإنهار النظام كاملاً أمام شجاعة مطلقة وتضحية لا توصف في أقل من شهر.. ولكن كما تعلمون لكل شيء ثمن وأظن -بإذن الله- أننا قادرون على تحمل ثمن الحرية والعدالة وأخلاق المصريين، وقوة هذا الشعب الذي تكمن في توحده وحبه لوطنه.. ولجيشه العظيم.. هما المعين لهم على تحمل وتخطي المرحلة المقبلة، والخروج بأقل الخسائر. * ما هي رؤيتكم للمرحلة الانتقالية؟ - المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر الآن هي مرحلة رعاية الجنين بعد ولادتة -إذا صح التعبير- فإذا شبهنا الدولة بذلك فنحن بحاجة للبحث عن البيئة الخصبة، والمناخ المناسب للتنشئة السليمة، وهو بطبيعة الحال تحقيق نظام ديمقراطي، وإيجاد حاكم وطني يؤمن بالديمقراطية التي تنهض بالكيان المصري.. وكنت قد تحدثت عن ضرورة وضع دستور مؤقت تتضح فيه الملامح الأساسية لكيفية سير مؤسسات الدولة، والمبادئ التي تحكم نظامها في هذه الفترة، وهو ما حدث بالفعل.. أمّا بالنسبة لنظام الحكم في هذه الفترة فكان الاتجاه القوي للمجتمع بضرورة وجود مجلس رئاسي يتكوّن من مدنيين اثنين، والثالث عسكري يعمل على تأكيد السيادة للقانون والتصديق على قرارات مجلس الوزراء وله حق الاعتراض في حالة مخالفة الدستور أو القانون، ولكن هذا لم يحدث لرؤية المجلس العسكري في أن يمارس سلطاته بنفسه حتى تستقر الأوضاع.. ولا بأس في ذلك فالكل يسير في الاتجاة المطلوب والهدف واحد.. ولن تعود مصر إلى الوراء -بإذن الله-، ومن وجهة نظري أرى أن الثورة تواجه الآن ثلاث مشكلات، الأولى هي عدم وضوح الرؤية حول جدول زمني محدد؛ لأنها وفقًا لبرنامج عمل واضح، الثانية الضغوط الاقتصادية وأخيرًا حالة الفراغ الأمني. * هل أنتم مع الانتخابات البرلمانية أولاً ثم الرئاسية، أم العكس؟ - من وجهة نظري إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً هو الأفضل.. لأنه على رئيس الجمهورية أن يتسلم السلطة، ويقسم اليمين أمام ممثلي الشعب (البرلمان) باعتباره المؤسسة التشريعية، وهذا أصوب لشرعية الرئيس.. فقد ينتخب رئيس بدون برلمان، ولديه صلاحية واسعة، ويتأخر تشكيل البرلمان فيستولى على السلطة التشريعية. * ما هي أبرز ملامح برنامجكم الانتخابي؟ - يقوم البرنامج على التغير والتنمية، الأول يقوم على إعادة بناء جميع مؤسسات الدولة بما فيه مجلسا الشعب والشوري، والنقابات، والمدارس، والجامعات على أساس ديمقراطي وشفاف، والمشاركة الشعبية، ومكافحة الفساد، واحترام حقوق الإنسان، والحفاظ على كرامة الإنسان المصري في الداخل والخارج، أمّا فيما يتعلّق بالتنمية سيتناول البرنامج التنمية الاجتماعية، وما يتصل بها من محدودي الدخل وأصحاب المعاشات وعلاقتها بوزارة المالية، ورعاية الأطفال المشردين، ويتناول أيضًا مشكلات القطاع الزراعي، وحل مشكلات الديون للفلاحين، ومشكلات البناء على الأراضي الزراعية، ونفس الشيء فيما يتعلق بباقي القطاعات.. ولكن في النهاية أهم ما يميز البرنامج الانتخابي هو عدم اعتماده على الخبراء، وإنما الاعتماد على الاستماع للمواطنين لمعرفة مشكلاتهم، وأهم الحلول المطروحة عن طريق عقد المؤتمرات الجماهيرية، وعرضها على المختصين لصياغتها في شكل خطة قابلة للتنفيذ. * ما هي رؤيتكم للصيغة الرئاسية الجديدة؟ وما رأيكم في البرلمانية الرئاسية؟ - النظام البرلماني الرئاسي -من وجهة نظري- هو الأفضل، ويناسب الحالة المصرية، فنحتاج إلى تفويض الرئيس في عدد من الصلاحيات، مع وجود بعض القيود الرقابية التي تحد من هذه الصلاحيات، فلم يعد مطلوبًا من الرئيس تنفيذ سياسات، وإنما المنوط بهذا أحزاب الأغلبية المكلّفة بتشكيل الحكومة؛ لذلك على الرئيس أن يتقدّم بخطوط عريضة في برنامجه بهدف الإفصاح عن توجهاته، لكن البرامج التنفيذية هي من اختصاص الأحزاب التي ستخوض الانتخابات البرلمانية، ويجب ألا يكون تابعًا لأي تنظيم حزبي لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الأحزاب للمنافسة على السلطة. * هل ترون أن هناك من الضمانات ما يمنع التزوير في الانتخابات المقبلة؟ - نقل العملية الانتخابية بكاملها إلى القضاء، وتحديد دور وزارة الداخلية في الاهتمام بحفظ الأمن خارج الدوائر الانتخابية، هو مطلب أساسي.. أيضًا يجب العمل على نقل الإدارة العامة للانتخابات بكل اختصاصاتها إلى المجلس الأعلى للقضاء، وتفعيل برامج التكنولوجيا في عملية التصويت والتي ستحدد لنا بيانات بالأعداد الحقيقية بالمواليد والوفيات، والرقم القومي، وبذلك -وتحت إشراف القضاء الكامل- يتم التنسيق، ولا يستطيع أحد التصويت إلاّ في دائرة واحدة فقط. * ما هي أقرب شرائح المجتمع لفكركم؟ وهل تصنّف نفسك مرشح شباب الثورة، أم مرشح جموع الشعب؟ - أرفض تصنيف نفسي وفق تيار أو توجّه معيّن، لكوني قاضيًا لي علاقات جيدة مع أفراد من كل التيارات، وتلك ميزة لا أريد أن أفقدها، وعلى الرئيس وضع ملامح سياسة عامة يقوم بعرضها على المؤسسات المختلفة للدولة، وليس فرضها.. وأتشرف دائمًا بدعمي من شباب الثورة الذين دفعوا ثمنًا غاليًا وقدّموا لنا شهداء لا يمكن أن ننساهم، ولا يمكن أيضًا أن أنسى أنهم بحثوا عني وطالبوني بالتقدّم والترشّح للرئاسة لرؤيتهم أنني من الممكن أن أكون الممثل للشعب المصري في الفترة المقبلة، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن الجميع بي. * ما هي رؤيتكم لأولويات السياسة المصرية الخارجية في المرحلة المقبلة؟ - إن دور مصر يفرض عليها حماية الشعوب العربية من الحكام الديكتاتوريين، وكان من المفترض أن تقوم على رأس الدول العربية بتوفير الحماية لليبيا، قبل دخول الدول الغربية، كما كان ينبغي بذل المزيد من الجهود الوقائية قبل تطور الأوضاع والتدخل بكل السبل الممكنة، ومنها العسكرية لإجلاء المصريين بليبيا، وحمايتهم وأن سياسة الدولة الخارجية يجب أن تكون متوازنة لكن حرارة العلاقات يجب أن تكون مرتبطة بمدى احترام هذه الدول لحقوق الإنسان، لأن هذا سينعكس على الإنسان المصري الذي يسافر في تلك الدول فلن يمكن ضمان كرامته وحقوقه في دولة لا تحترم حقوق الإنسان. * ما الذي تقولونه للجاليات المصرية التي سيسمح لها بالتصويت لأول مرة؟ - الجاليات المصرية هم أبناء مصر المكافحون الذين خرجوا للحصول على مورد رزق يضمن لهم نوعًا من أنواع الحياة الكريمة التي قد لا يستطيعون الحصول عليها بسهولة في مصر، وعلى مر السنوات اعتبرهم النظام غير مؤثرين، وليس لهم أي دور من بعيد أو قريب في مصر سوى إدخال العملة الصعبة، وما إلى ذلك من النواحي المادية، ولا أتصوّر غير أن معظم إخواننا وأخواتنا بالخارج هم يتمتعون بالمسؤولية، ويشرفون المكان الذي يوجدون فيه لخبراتهم واحترامهم لأنفسهم قبل كل شيء.. لذا فنحن الآن بصدد التغيّر إلى الأفضل، وبصدد بناء وطنهم، ولا بد أن يكون لهم أدوار فعّالة في مختلف الاتجاهات، كما أن على الدولة تفعيل رعاية مصالحهم بالخارج، والعمل على خلق آليات وتوظيفها بشكل جيد يضمن لهم التواصل مع بلادهم دائمًا. * هل أنتم مع الرأي القائل بأن هذه الجاليات ستلعب دورًا مهمًّا في اختيار وتحديد الرئيس الجديد؟ - طبعًَا ضرورى جدًّا وحق لهم وأعتبر أن دورها أساسي، وحان لهم أن يشاركوا فعليًّا في صناعة مستقبل بلادهم، وأي قانون انتخابي لا بد أن ينظم ممارستهم لهذا الحق، وإلاّ يمكن الطعن عليه؛ لأنه يخل بمبدأ المساواة، والمصريون في الخارج قوة كبيرة تقدر ب10 ملايين مصري، لا بد أن تشارك لأنها تتأثر بكل التشريعات والقوانين التي تصدر، وحرمانهم يخالف مبدأ المساواة. * هل يمكن لنا التعرف على سيرتكم الذاتية بتوسّع؟ - أنا من مواليد مايو 1951م في حي حدائق الزيتون، والدي الأستاذ محمد عثمان البسطاويسي المحامي من محافظة الغربية.. أنهيتُ مرحلة الدراسة الإعدادية بمدرسة فرير باب اللوق الابتدائية، ثم مدرسة، فرير الظاهر الإعدادية، ومنها مدرسة إسماعيل القباني الثانوية، ثم كلية الحقوق جامعة القاهرة، وتخرّجتُ فيها عام 1976م، وتدربت بمكتب الأستاذ صلاح السهلي المحامي، ثم بدأت حياتي العملية كوكيل نيابة بالجمرك بمحافظة الاسكندرية، تزوجت هناك، وقضيت ثماني سنوات من نيابة الجمرك، إلى نيابة الأحداث، ثم عملتُ قاضيًا بالمحكمة الجزئية، ورزقني الله في هذه الفترة بثلاثة أبناء: محمد، أحمد، ومصطفى.. ثم عدتُ إلى القاهرة في 1988م مع أسرتي لأعمل بنيابة النقض عشر سنوات، وتم ترقيتي إلى منصب نائب رئيس محكمة النقض عام 2000م، لم يُوجّه لي خلال عملي القضائي أي إنذار أو لفت نظر.. في عام 1992م تم إعارتي للعمل في الإمارات، وهناك قمتُ بالاحتجاج على وقف قاضيين مصريين عن العمل، وشاركتُ في الإضراب الذي استمر 25 يومًا مع زميلي المستشار محمود مكي، والمستشارين ناجي دربالة، وسيد عمر، وأحمد سليمان حتى تمت إعادة القاضيين المصريين إلى العمل، وبعد أشهر قليلة من الأزمة أحقق في واقعة سُكر بيّن في الطريق العام، وعندما يتدخل الأمير للعفو عن المتّهم أرفض، وأكتب على أمر العفو العالي كلمة الحق (لا شفاعة في حد)، ويحوّل المتّهم إلى المحكمة، فكلمة الحق أحق بأن تتبع، ومضت سنوات الإعارة الأربع لأعود بعدها إلى القاهرة دون التجديد لعامين، كما هو معمول به في الوسط القضائي، وفي مصر تدخلت بإلغاء الانتخابات في الدائرة التي أشرفت عليها بسبب التدخلات الأمنية، والتلاعب بالصناديق، وتمسّكت بالإلغاء بالرغم من ضغوط وزير العدل علي وقتها.. لم يتم انتدابي لوزارة أو شركة لأداء عمل غير قضائي، وحتى عندما جاء دوري للانتداب لمحكمة القيم اعتذرتُ عنه بسبب تكرار القضاة مرارًا وتكرارًا بإلغاء العمل بالمحاكمِ الاستثنائية.