الذين يكسرون قاعدة «حب الوطن من الإيمان» -التي جاءت في حديث أفضل الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويتنكرون لأوطانهم تحت ذرائع شتى، وانتماءات متعددة - كُثُر، حتى وإن اختلفت وسائل التعبير في تلك الكراهية، وذلك الجحود، ولسنا هنا في مقام توضيح تلك الأفعال المتجنية التي استهدف بعضها الأرواح البريئة، ولكننا في سبيل الكشف عن بيع للوطن من نوع آخر، بالتأثير على ازدهاره الاقتصادي. لقد أذهلني ذلك العنوان العريض الذي جاء على صدر النشرة الاقتصادية لصحيفة (الفايننشل تايمز) المتضمن «أثرياء عرب يتجهون بملايينهم غرباً هرباً من الاضطرابات»، فعلى ذمة الصحيفة، فإنَّ عدد المهتمين بالهجرة إلى بريطانيا من أثرياء الدول العربية وخصوصاً من (السعودية ومصر والبحرين) وصل إلى مستويات غير مسبوقة، وتقول رئيسة قسم الهجرة في شركة (بي دبليو سي) للمحاماة «جوليا أونسلو» أن هناك زيادة كبيرة حقاً في عدد الأشخاص المهتمين بالانتقال من الدول العربية إلى بريطانيا، مضيفة بأنها لم تر مثل هذا الأمر من قبل قط في أوساط (السعوديين)، فالأشخاص الذين يتحدثون إليها قلقون جداً. ما هذا الهراء، وبماذا نصف أولئك الانهزاميين بائعي الوطن؟!.. وهل يستحق هذا الوطن الذي أوصلهم إلى ما هم عليه من ثراء أن يتنكروا له ويمارسوا تجاهه الجحود، ويسعوا إلى تحويل أموالهم إلى خزائن الغرب لمجرد سقوط بعض الأنظمة في البلدان المجاورة..؟! لم يكن ذلك السلوك المستهجن مثار استغرابي أنا فقط، ولكنه كان أيضاً يُشكِّل علامة استفهام واستغراب حتى لدى الخبيرة القانونية البريطانية السيدة «جوليا أونسلو»، فهي تدرك تماماً كيف تدار رؤوس الأموال هنا، وكيف تتضاعف، وكيف هي طليقة للحد الذي يعفيها من الضرائب! لكنني، وكذلك هي، مُدْركيْنِ بأنَّ الدافع وراء ذلك الهروب هو (الجبن) و(الخيانة) وهو (الجحود) بعينه. أولئك الذين «شفطوا» جيوب مواطنيهم بالمبالغة في رفع الأسعار، وامتصوا خيرات البلد، ولهفوا أرقام ميزانياتها عن طريق رسو المناقصات عليهم، وسكنوا أفخم القصور، وامتلكوا أحدث الطائرات الخاصة، ليس بمستغرب عليهم التخلي عن الوطن، والهجرة إلى دول أوروبا لينعشوا اقتصادها، ويدفعوا الضرائب طائعين طمعاً في الحياة والحفاظ على المكاسب، فالقانون البريطاني يمنح حق الإقامة في بريطانيا لفترة غير محددة لمن يقوم بإيداع مبلغ (5) ملايين جنيه استرليني، أما من يودع مبلغ (10) ملايين فأكثر فسيكون بإمكانه الحصول على الإقامة الدائمة. وأنا متأكد من أنَّ أفقر أولئك الذين تقدموا لقسم الهجرة، يملك أكثر من الملايين (العشرة) التي تمنح حق الحصول على الإقامة الدائمة.. وما تحقق (للجبناء) لم يكن سوى بفضل نهب (الأوفياء) الذين كانوا يتلقون (طعنات) ارتفاع الأسعار التي كانت تدخل جيوب أولئك، فكانت النهاية الجحود لهذا البلد المعطاء المؤمن بالاقتصاد الحر، والذي وفَّر لهم جو الاستثمار، أملي أن يُتحرَّى عن أولئك ويكشف عنهم، لاسيما وأنهم قد أسفروا عن نياتهم، فبعض مما قالته «جوليا» لم أقله، ومن يرغب في المزيد من الإيضاح عليه أن يٌنقب. والوطن بتماسكه، وولاء أبنائه والتفافهم حول القيادة غنيٌّ عن أولئك الجاحدين والمرجفين.