** دعوني أعطِ فكرةً أولًا لكم أيُّها السادة عن عقبة الملك خالد!! هذه العقبة تقع في منطقة الباحة، وهي إحدى (البواتق) التي تصل ما بين سراة الباحة وتهامتها. ** وبحسب بعض الإحصائيات المتوفرة لدي، فإن طولها يبلغ 21 كم، وتكلفتها 130 مليون ريال، وتخدم أكثر من 400 محافظة وقرية وهجرة في سهول تهامة الباحة. وهذه العقبة افتتحها أمير الباحة السابق الأمير محمد بن سعود يوم الأربعاء 23/2/1430ه. ** إلى هنا والكلام عادي جدًّا عند الحديث عن أي مشروع!! أمَّا ما ليس بعادي فما سيأتي من تفاصيل غريبة وعجيبة عن هذه العقبة! وكل حديث يا سادة عن هذا المشروع هو غريب عجيب بدءًا من مسمّاه، إلى طبيعته ومراحله وظروفه ومنفذيه!! دعونا نبدأ من الاسم، الأهالي يعرفونها بعقبة مساعد، وعند التفكير فيها كمشروع تم تسميتها بعقبة قلوة، نسبة إلى أكبر المحافظات التي تخدمها هذه العقبة، وتتصل بها (محافظة قلوة)!! وبعد فترة من مراحل المشروع تم تحويل المسمّى إلى عقبة الملك خالد، وبعد فترة أخرى أعيدت التسمية إلى عقبة قلوة، وحين افتتحها الأمير محمد أعلن عن تسمية جديدة هي (طريق الملك خالد). طبعًا في كل مرة يتم فيها تغيير المسمّى يتأخر المشروع ويتعطل.. وكأن هذا المشروع ينقصه المزيد من التعثر. عمومًا فإن التذبذب فى التسمية تعطيك دلالة على (عقم) هذا المشروع.. ** أمّا عن المشروع ذاته، فإن حكايته أغرب من حكايات ألف ليلة وليلة. فقد وُلد متعثرًا، ومرّ بمراحل تنفيذ أكثر تعثرًا! ويكفي أن نعرف أن عمر هذا المشروع قارب العقدين من الزمان. وكأنّ المنفذين الطيبين لهذا المشروع أرادوا أن يجعلوا عمره بأعمار ولداننا. ** وخذ الحكاية الأتعس.. المشروع مر بثلاث مراحل، وثلاث شركات، وكلها (من جرف إلى دحديرا يا قلب لا تحزن).. أول مرحلة بدأت مع شركة صينية، والتي وضعت خطوطها الأولى على أوراق توت مثقوبة تقود مساراتها إلى الهاوية، وكنا نتساءل كيف سيتم التنفيذ؟! لكن سؤال ما فوق الطاولة عن مدى كفاءة هذه الشركة وتخصصها في مجال فتح العقبات الكبيرة؟!! لكنها (لعنة) العطاءات بعيدة عن القدرات هي سبب كل ابتلاءات مشاريعنا الفاشلة. ويبدو أن الشركة (أخذتها من قاصرها) فكفتنا مؤنة الأسئلة لتنسحب ملقية بالمشروع في أحضان باردة جدًا يستفيق بعدها في مرحلة جديدة وشركة جديدة، لكنها إفاقة تولدت على سرير أبيض في إحدى غرف العناية المركزة!! وما كاد الناس يبتلعون حنقهم وغيظهم حتى صدمتهم هذه الشركة بانسحاب جديد، وتدفع بالمشروع إلى مرحلة (العثرة) المحنطة!! ويهدأ كل شيء على الأرض، والناس يضربون كفًا بكف، ويراقبون مغرب الشمس، ويسألون: أليس لهذا المشروع المظلم من شروق ناجع، كما يحدث في المناطق الأخرى؟!! ** أخيرًا جاءت شركة ثالثة بضرب على الصدر (أنا لها) فأخرجت لنا مشروعًا كسيحًا أقل ما يُقال عنه بأنه ليس له علاقة بالتخطيط الفني والعلمي والمهني لمشاريع عقاب كبرى تخترق جبال شاهقة صعبة!! ** والشركة -بارك الله فيها- سدت أذنًا بطين وأخرى بعجين أمام صيحات الأهالي، فهي لا يهمها إلاّ أن يتم المشروع حتى ولو ذهبت أرواح البشر إلى السحيق!! ** وأخيرًا يا سادة وبعد ما يقرب من عقدين من الزمان، وبعد ثلاث مراحل، وثلاث شركات تم الإعلان عن افتتاح المشروع!! ** أتدرون كيف انتهى المشروع؟!!.. انتهى بعقبة أشبه بطريق الموت.. منحدرات سحيقة، منعطفات حادة، طريق ضيق جدًا، انهيارات صخرية ضخمة. والناس (مساكين) ما صدقوا على الله أن يرى مشروعهم النور، وبدأوا يسلكون الطريق وكأنهم يسيرون إلى حتفهم.. في كل منعطف، وعند كل منحدر يصافحون الموت مائة مرة!! ** يا للهول!!.. هل رخصت أرواح الناس إلى هذه الدرجة من البساطة؟! أليسوا بشرًا ممّن خلق؟ أليسوا من أبناء هذا الوطن الذين يستحقون أن نوفر لهم الأمان في مسالكهم؟ ولماذا مشاريع العقبات في كل منطقة تمثل شريانًا للحياة، وهذا يُمثِّل سكينًا للموت؟! ** هل رأت هذه العقبة وزارة النقل؟! لا أدري.. لكن إذا لم يفعلوا فإني أدعوهم إلى أن يقوموا بزيارة لهذه العقبة، وعليهم أن يحتاطوا، وإن كانت لا تغني حيطة من حذر!! ** وللأمانة لا أدري مَن وافق على المشروع؟! ولا مَن استلمه؟ ولا كيف تم الاستلام؟ ولكني أقول حسبنا الله ونعم الوكيل!! خاتمة: البعض يحتاج إلى محاكمة ضمير قبل محاكمة الورق.