القذافي يقول: “حكمتكم وأنتم مليونان، والآن أنتم ستة ملايين”! صالح يقول: “على المعارضة العودة إلى صناديق الاقتراع”! وقد قال قبلهم كلٌّ من بن علي، ومبارك أقوالاً كثيرة، لم تروِ ضمأ شعوبهم، ولم ترتقِ لطموحاتهم.. قبل ما يربو على أربعين عامًا، عمّت المظاهرات شوارع باريس في أيار 1968م، حينها أعلن رئيس الجمهورية -آنذاك- الجنرال شارل ديغول، عن إجراء استفتاء في الشهر اللاحق حول إصلاحات جامعية، واجتماعية، واقتصادية.. ثم عاد وأجّل موعد الاستفتاء لمصادفته فترة الانتخابات النيابية.. وبعدها تتالت الانهماكات السياسية، إلى أن عيّن الجنرال ديغول موعد الاستفتاء في نيسان 1969م، حول الإصلاحات التشريعية، ومجلس النواب.. وصرح ديغول بأنه إن لم ينل موافقة الأكثرية من الشعب سيستقيل من منصبه.. ظن الكثيرون بأنه يلتمس تعاطف شعبه لقبول اقتراحاته الإصلاحية.. في اليوم التالي ظهرت نتيجة الاستفتاء 52,41%، قالوا: “لا”، و47,59% قالوا: “نعم”. بعد عشر دقائق من منتصف الليل، صدر بيان موجز من ديغول للشعب الفرنسي: “أعلن توقّفي عن ممارسة مهامّي رئيسًا للجمهورية، ويصبح هذا القرار نافذًا عند ظهر اليوم 29/نيسان/1969م”. وترك منصبه بكل هدوء، بعد أن قال له شعبه “لا”، فعاد إلى بيته، دون أن يقوم بنشر بلطجيّة، أو شبيّحة، أو مرتزقة تقتل، وتُرهب أبناء الشعب؛ ليحتفظ بمنصب رئيس الجمهورية، كما يفعل البعض حين يجلس على كرسي الحكم، فيلتصق بأقوى أنواع الصمغ.. رغم أن ديغول هو منقذ وباني فرنسا الحديثة، ومؤسس الجمهورية الخامسة فيها.. حكمها مدة عشر سنوات ذهبية، لكنه لم يسعَ ليبقى إلى أن يموت، أو يورثها لابنه، بل انسحب احترامًا لمطالب الشعب.. بعد سنة توفي شارل ديغول تاركًا وصيتين: الأولى ألاّ يحضر جنازته رؤساء، ولا وزراء، ولا سياسيون، والأخرى ألاّ يُحفر على قبره إلاّ كلمة “شارل ديغول 1890-1970م”. [email protected]