لست أدري إن كانت شمس صبيحة هذا اليوم قد أشرقت والسيد/ علي عبدالله صالح ما زال ملتصقًا بكرسي الرئاسة. أم أن عملية الفصل قد تمت، والقاهر في علاه قد انتزع من صاحبنا السلطان انتزاعًا لا رجعة فيه. لكن من المحتم أن شعب اليمن الأبي كان صابرًا بكل المقاييس، ليس على جور فخامة الرئيس وأتباعه فحسب، ولا على ثرواتهم المنهوبة واقتصادهم المدمر فحسب، وإنما على أنواع وصنوف (المراوغة) التي مارسها الرئيس طوال شهور ثلاثة. الرئيس علي عبدالله صالح يستحق بجدارة جائزة نوبل في التخلص من كل الوعود التي بذلها، وكل الاتفاقيات التي كان سيوقعها، وكل العبارات المعسولة التي قالها. طبعًا ليس من الحكمة ولا التعقل الزعم بأن تلك الممارسة كانت وليدة اللحظة الجماهيرية الثورية، وإنما هي ممارسة قديمة تنبئ عن مدى الفجوة بين الحاكم والمحكوم في اليمن. وهي فجوة عميقة؛ لأن الأصل فيها أن لا تكون؛ إذ الأساس ثقة متبادلة، وواجبات على الطرفين قائمة لا محل فيها للتدليس والمراوغة والجهر بغير المبطن وفعل غير الذي يقال ويُعلن. طول العهد بالكراسي، وطول الاختلاط بالأتباع الذين هم على الشاكلة نفسها يفقد المرء أغلى ما يملك، وأغلى ما يملك صاحب السلطة هي الكلمة الصادقة، فإن فقدها فلا حسرة عليه أبدًا. وعجب الاستمراء في هذا الخلق الوبيل حتى يكون ديدنًا ملاصقًا، وكأنه والكرسي والرئيس توائم ثلاثة ملتصقة. وسيئ أن ترى في وجه فخامة الرئيس ملامح واضحة تصيح قائلة: (لا تصدقوه، فكلام النهار يمحوه الليل، وكلام الليل يمحوه النهار). لقد سئم حتى العقلاء والحكماء هذا الحد من التقلب والمراوغة. وكم من رحلة قام بها أمين عام مجلس دول التعاون الخليجي ممثلًا لدوله الست إلى صنعاء العاصمة دون جدوى مع أن كل زيارة حملت في طياتها آمالًا وبشرى، بل ووعودًا وعهودًا بالتوقيع على رغبة بالتنحي. فخامة الرئيس: كأني بك تقول: (سأجهل فوق جهل الجاهلينا)، ولن أجرؤ فأقول تأدبًا: (لقد راوغت فوق مراوغة المراوغينا). والسلام ختام. [email protected]