أكدت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولاياتالمتحدة للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمرة السابعة منذ أن تولى الأخير منصبه على أنه لم يحن الوقت بعد لإمكانية ممارسة رئيس أقوى دولة في العالم لأي ضغوطات حقيقية على إسرائيل وإلزامها باحترام القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، وأنه لا أمل في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور في تخلي واشنطن عن استخدام حق الفيتو ضد أي قرار أممي يدين إسرائيل بسبب انتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، والذي يتمثل في استمرار الاحتلال والحصار، والتهويد، والاستيطان في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، والتنكيل بالشعب الفلسطيني في مناطق السلطة، والتنصل من التزامات إسرائيل إزاء عملية السلام وفق خريطة الطريق، وتوصيات اللجنة الرباعية، ورؤية الإدارة الأمريكية السابقة والحالية بشأن حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة على أراضي الرابع من حزيران (يونيو) بعاصمتها القدس الشريف. وتكمن المفارقة هنا في أن كافة المحاولات السابقة التي بُذلت من قبل الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل من أجل الانصياع لتنفيذ القرارات الدولية المعنية، والوفاء بالتزاماتها إزاء عملية السلام باءت بالفشل، إذ سرعان ما تتراجع تلك الإدارة عن ممارسة الضغوطات على إسرائيل، وتقدم لها أكثر ممّا تطلب من معونات ومواقف داعمة تشجعها على الاستمرار في ممارسة انتهاكاتها وخروقاتها لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولعل أقرب الأمثلة إلى ذلك محاولة الرئيس بوش الأب في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 الضغط على إسرائيل من خلال التلويح بوقف قرض العشرة مليارات دولار لإسرائيل، وانتهاء تلك المهزلة بتراجع إدارة بوش عن هذا القرار بعد اتهام اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة لوزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت (جيمس بيكر) باللاسامية. ورغم ما أشارت إليه الصحافة الأمريكية والعبرية قبيل بدء نتنياهو لزيارته لواشنطن من توترات في أجواء العلاقات بين نتنياهو وأوباما، وحيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» عشية الزيارة -على سبيل المثال- أن الرجلين يشهدان في هذا الوقت نقطة تحول في علاقة لم تكن في يوم من الأيام دافئة. وبكل الحسابات لا يثق أي منهما بالآخر. وحيث أبلغ أوباما مساعديه وحلفاءه أنه لا يعتقد أن نتنياهو سيكون راغبًا في يوم من الأيام بتقديم ذلك النوع من التنازلات الكبيرة التي ستؤدي إلى اتفاق سلام. في الوقت الذي اتهم فيه نتنياهو، أوباما، بأنه مارس الضغط على إسرائيل إلى حد بعيد جدًا-وهي نقطة جرى التشديد عليها خلال مكالمة هاتفية غاضبة مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون صباح الخميس الماضي، قبل ساعات فقط من خطاب أوباما، وحيث رد نتنياهو أثناء المكالمة بغضب على خطة أوباما باعتماد حدود 1967 حدودًا تُقام داخلها الدولة الفلسطينية المستقبلية. خطابان متناقضان تراجع أوباما في خطابه أمام (أيباك) بعد يومين فقط من خطابه الأول الذي طالب فيه بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، حمل رسالة واضحة تلقاها من نتنياهو الغاضب، بأن الطريق إلى الكرسي البيضاوي يمر عبر أيباك، وكان أيضًا بمثابة تذكرة لأوباما بأنه إذا كان يخطط لفترة رئاسية ثانية فإن عليه الانصياع لرغبات إسرائيل، وهو ما بدا واضحًا في خطابه الثاني عندما غير لهجته بمقدار 180 درجة. إن إجراء مقارنة سريعة بين الخطابين تكشف عن ضعف الإدارة الأمريكية، وعدم قدرتها حتى الآن على الصمود في وجه ضغوطات إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، فقد قال أوباما في خطابه الخميس الماضي إن الحدود بين إسرائيل وفلسطين يجب أن تكون على أساس حدود 67 مع تبادل أراضٍ متفق عليها بحيث تكون الحدود آمنة ومعترفًا بها من كلا الجانبين، بينما قال في خطابه الأحد إن الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية ستكون على أساس حدود 67 مع الوضع في الاعتبارالتغييرات في الواقع الديمجرافي الجديد على الأرض. وبينما أشار في خطابه الأول إلى أن قضية القدس واللاجئين ينبغي حلها في إطار المفاوضات، فقد تجنب في خطابه الثاني التحدث عن القضيتين. وبينما لم يتطرق أوباما في خطابه الأول إلى مسألة الاعتراف الفلسطيني بالدولة اليهودية كشرط مسبق للمفاوضات، فإنه شدد في خطابه الثاني على أنه في نهاية عملية السلام سيكون هنالك دولتان، واحدة يهودية للشعب اليهودي، وأخرى فلسطينية للشعب الفلسطيني. وفيما يتعلق بالترتيبات الأمنية سنلاحظ أن أوباما تحدث في خطابه الأول عن «انسحاب كامل على مراحل للجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع قوات الأمن الفلسطينية التي ستتولى المسؤولية، وأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح، وأن تكون الترتيبات الأمنية بارزة. أمّا في خطابه الثاني فقد شدد على أهمية الترتيبات الأمنية الصارمة من أجل ضمان نجاحها في مواجهة ما وصفه بالإرهاب. وحول الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل بالأممالمتحدة قال أوباما في خطابه الأول، إن الجهود التي يبذلها الفلسطينيون لنزع شرعية إسرائيل ستفشل، وأنه ضد المبادرة الفلسطينية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن مثل هذه الخطوات الشكلية التي تهدف إلى عزل إسرائيل في الأممالمتحدة في سبتمبر المقبل لن تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية. أمّا في خطابه الثاني فأكد على أن الولاياتالمتحدة سوف تصوت ضد الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً: «لا يمكن فرض السلام على طرفي الصراع، وأي تصويت في الأممالمتحدة لن يؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة، وإن الولاياتالمتحدة ستقف ضد كل محاولة لعزل إسرائيل لأن شرعية إسرائيل ليست موضوع نقاش». فرصة أخيرة ما يدعو إلى الدهشة والتعجب رفض الرئيس في ذلك الخطاب للمصالحة الفلسطينية إرضاءً أيضًا لنتنياهو ولكافة الأحزاب الإسرائيلية المتشددة والمتطرفة، وتطلعًا نحو كسب أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالرغم ممّا هو معلوم بأن المصالحة تدعم العملية السلمية باعتبارها الرد العملي على المقولة الإسرائيلية الدارجة بأنه لا يوجد شريك فلسطيني في عملية السلام بسبب ذلك الانقسام، وأنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق سلام نهائي مع قسم فلسطيني دون القسم الآخر، وبالرغم أيضًا ممّا ذكره أحد الكتاب في صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخرًا بأن 64% من الإسرائيليين اليهود أنفسهم، يؤيدون التفاوض مع «حماس» ، إلى جانب تناقض هذا الموقف مع حقائق التاريخ، وحيث ليس بوسع أوباما تجاهل إحدى تلك الحقائق عندما خاضت أمريكا حربًا أهلية طاحنة لكي تتوحد، وكذلك توحد دول أوروبا في الاتحاد الأوروبي. ويرى المراقبون أن النقطة الإيجابية الوحيدة التي وردت في خطاب أوباما الثاني تمحورت حول إشارته إلى المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وحيث بات من الواضح أنها تتضارب مع مصالح إسرائيل، وهو ما يعني أن الوقت ليس في صالحها، وهو ما يتطلب منها التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين قبل فوات الأوان.