* لا أتذكر التاريخ. ولكنه ربما كان في نهاية السبعينيات الهجرية – أما المكان فهو سوق «الحبابة» في طيبة الطيبة المؤدي إلى باب المصري هذا حانوت العم عثمان أبو عوف وفي الجهة المقابلة حانوت العم حسين نافع، في السوق تنتظم الحوانيت لبيع كل ما يحتاجه المرء في ذلك الزمن البريء والجميل - معاً - وكانت المرأة هي الأخرى تحمل بضاعتها من أقصى قباء، من العالية، من العنبرية وما بعدها – في السكة، في عروة، في مصر ومصير – وتلك البضاعة تتراوح ما بين النعناع على مختلف أنواعه كوافي «السيم» ومراوح السعف، ورجل نحيل الجسم يحمل «قربة» على كتفه ينادي على المارة ليشربوا من ماء «عروة» الذي طمرته السنون وعوادي الزمن ذلك الزمن الذي تخلصت فيه الأمة من تراثها وذاكرتها، وصوت آخر يأتي من سوق العياشة المجاور لسوق الحبابة، «الشريكه» أي السحيرة بلغة ساداتنا أهل مكة، ينادي الرجل وقطعة – الكعك – لم تبرد حرارتها بعد حيث حملها أخوهم فوق رأسه من زقاق الطيار إلى رحبة السوق، «الشريكة» ست هللات.. قرش ونصف – زملائي في العلوم الشرعية «دوخي شريف، وشحات جاد، وفاروق كاتب، وغازي بشير هل نسيت أحداً – ربما – فليعذرني الأحباب في طيبة الطيبة. * إنهم يتذكرون تلك اللحظات التي فرت من بين أيدينا وبكيت معهم عليها. * تتدافع مناكب الناس بحثاً عن لقمة العيش الهنيء، فجأة ينفض الناس ما بأيديهم، وتشرئب الأعناق من داخل الحوانيت، ثم رجل يميل لونه إلى السمرة ولا يغيب عن محياه نور الجوار، يشد وسطه بالحزام البلدي ويمسك «منخلا» بين يديه ليصفي الحب من شوائبه، يضع الرجل المنخل إلى جانب الإناء ثم يصيح بصوت متهدج ويقول – الموت يا غافل!! فتردد الأصوات الأخرى «لا إله إلا الله»!، لقد مر نعش يحمل ميتاً ليدفن في ربوة البقيع الطاهر، تذكرت هذا المشهد وقد ودعت في هذا العام أحباباً، أحمد الزين، محمد عبده يماني، عدنان مدني، محمود خيمي، أحمد حبشي، ياسين عبدالرحيم، ربيع الردادي، محمد دياب، وآخرهم النسيب – الطيب الذكر – العم أحمد زكائي – فعليهم الرحمة من رب العباد.