يغالبني الدمع والحزن العميق وأنا أكتب هذه السطور فمنذ علمت بوفاة عميد الأسرة الشيخ عبدالله أحمد عبدالجبار – رحمه الله- وأنا أعيش في دوامة من الألم، خاصة أننى خارج الوطن، وأسفت لعدم استطاعتي المشاركة في الصلاة عليه بالمسجد الحرام، وتشييع جثمانه الطاهر ، وتقبل العزاء مع أفراد الأسرة، والأصدقاء، والمحبين.. يعلم كل مسلم أن الموت حق، وأن لكل أجل كتابًا، والإنسان مهما طال عمره في هذه الدنيا الفانية فإنه ملاقٍ خالقه الكريم، طامعاً في جنات الخلد والنعيم المقيم بعفوه وكرمه.. ولعل ما خفف حزني الشديد على فقيدنا الغالي ما أراد الله له من خير بحسن الخاتمة، فقد لاقى ربه الرحيم في البلد الأمين بين أهله وذويه، وأصدقائه، ومحبيه وعارفي مكانته، وفضله.. صحيح أن الأستاذ لم يتزوج ولكنه كان سعيداً بحب أهله وذويه وأصدقائه الأوفياء، أينما حل وأقام، وارتحل.. وقد آثر في السنوات الأخيرة من حياته العيش مع عالمه الثقافة بمكتبته الكبيرة الغنية بنفيس الكتب والمؤلفات، والمراجع العلمية في مختلف المجالات الأدبية والثقافية والنقدية، والعلوم الإنسانية التي أهداها لجامعة الملك عبدالعزيز . إضافة إلى مكتبته الأولى التي كانت بمصر والتي تعتبر نواة لمكتبة الجامعة.. وهذا لا يعني اعتزاله الحياة الاجتماعية.. فقد كان رحمه الله حريصاً على التواصل مع أفراد العائلة الكبيرة وذوي القربى خاصة في المناسبات الاجتماعية التي تتطلب المشاركة وحث أولادهم على مواصلة تعليمهم العالي والاستفادة من معطيات العلوم الحديثة والتقنية التي تحتاجها بلادنا وانتهاز فرص التعليم الجامعي والعالي التي أتاحتها الدولة أعزها الله للشباب السعودي في الابتعاث إلى مختلف جامعات العالم المتقدم، ولن أنسى ما حييت لقائي بالراحل العزيز مساء يوم السبت من كل أسبوع مع نخبة من أصدقائه ومحبيه في مجلسه العلمي بداره العامرة بحي الأمير فواز بجدة ترويحاً للنفس وتعزيزاً للتواصل والمحبة، وتبادل الحوار الفكري فيما يطرح على الساحة من جديد في قضايا الأدب والعلم والثقافة والنقد والمعرفة ولست هنا في مقام الحديث عن سيرته الذاتية العاطرة ومواقفه الإنسانية، ومؤلفاته القيمة وأعماله الأدبية، واهتماماته الفكرية واتجاهاته النقدية، مما حباه الله من مكارم الأخلاق وسعة العلم والثقافة.. فقد كتب عن كل ذلك نخبة من أهل الفكر والعلم والأدب في بلادنا وغيرها من البلدان العربية، كما تحدثت وسائل الإعلام عن مآثره وأعماله الجليلة بما هو جدير به خاصة في المناسبات الثقافة التي كُرم فيها. فقد كرمته رابطة الأدب الحديث في مصر وجامعة الملك عبدالعزيز ، وجامعة أم القرى، وإدارة التربية والتلعيم والنادي الأدبي في العاصمة المقدسة، وكان آخر تكريم سعد به التكريم التاريخي المتميز في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، بوصفه الشخصية الثقافية الرائدة المختارة في عام 1427ه، ومنح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى من يدي راعي النهضة العلمية والثقافية المباركة في بلادنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يحفظه الله. رحمك الله يا أغلى حبيب وأعز صديق، وجعل الجنة مثواك، والشكر كل الشكر لكل من واسانا في مصابنا الجلل.. إنا لله وإنا إليه راجعون ... (من القاهرة)