غيابُ قمةٍ مثل الأستاذ الكبير عبدالله عبدالجبار يُعتبر -بلا ريب- خسارةً فادحةً يصعب تعويضها، فالفقيدُ كان طودًا شامخًا، وقمةً بين قمم الرجال الذين تميّزوا بمواقف تُحسب لهم، وتُكتب في سجلاتهم. لقد كان بالفعل قمةً في شموخه، وقدوةً في عزة نفسه، ونموذجًا في اعتزازه بذاته، فنال من الاحترام من مقدّري مكانته ما هو حريٌّ به، ومن التقدير من معارف فضله ما هو جديرٌ به. لقد كان «الأستاذ» -كما يرغب تلامذته أن يطلقوا عليه- نموذجًا فذًّا في حبّه لوطنه، وقدوةً مُثلى في عشقه لأمته، كما أن حرصه على التمسك بالمبادئ التي آمن بها مثل يحتذى به. لقد تميّز -رحمه الله- بإصراره على الوقوف باقتدار أمام كل الصعاب التي واجهته بإباء، وعزّة نفس، واحترامٍ للذات؛ فكسب تقدير محبيه. حتى عندما هاجر إلى مصر، تعرّض إلى شيء من الضنك، والمنغّصات من النظام الناصري في حينه، فسافر إلى لندن، حيث وجد مأوى له في مقر الملحقية الثقافية السعودية هناك. وعندما كنتُ أعملُ وكيلاً لوزارة التعليم العالي، قمتُ بجولة على مقار الملحقيات الثقافية بالخارج، ومن ضمنها ملحقية لندن، فأخبرني الملحق بوجود الأستاذ عبدالله في المقر، فذهبتُ إلى الغرفة التي كان يقيم فيها في أعلى المبنى، وذُهلتُ للوضع الذي كان عليه، والغرفة التي يسكن فيها، فلمْ يشكُ لي، أو يُبْدِ أيَّ نوعٍ من التذمّر، أو حتّى الاعتراض، برغم سابق معرفتي به، ومع ما كان يربطه من صداقة بوالدي -عليهما رحمة الله-. وعلى إثر عودتي للوطن، نقلتُ لمعالي وزير التعليم العالي الشهم النبيل الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله-، ما رأيته من معاناة الأستاذ، والحالة التي كان عليها، فتأثر -رحمه الله- أيّما تأثّر لمعرفته بمكانة الأستاذ، ولما كان يحمله له من تقدير، فأمر على الفور بتزويد الأستاذ بتذاكر سفر له للوطن؛ بعدما قام بما يجب من اتصالات مع القيادة في حينه، وقد استطعتُ -بفضل الله- أن أرتب للأستاذ أن يلتحق بجامعة الملك عبدالعزيز مستشارًا، وعضو هيئة تدريس بها، وكانت تلك الخطوات أقل ما يجب القيام به نحوه. غفر الله للفقيد، وأسكنه فسيح جناته، وأثابه على ما لقي في حياته من صعاب ومعاناة، والله حسيبه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.