أكاد أجزم أنه لا توجد أسرة في المنطقة الغربية كلها وما جاورها من مناطق لم تستفد من خدمات مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة منذ تأسيسه قبل عقد من الزمان، فهو الملاذ الصحي الأول في منطقته لكل مصاب بمرض مستعصٍ أو داء عضال، وأطباؤه الأفذاذ المتميزون وطبيباته المتميزات مراجع طبية معتمدة لكل من احتاج إلى استشارة طبية دقيقة لا تقل إن لم تزد قيمة علمية عن استشارات كبار الأطباء حول العالم، أقول هذا الكلام بتجرد تام لأنني قارنت بدقة متناهية مستويات هؤلاء النخبة من الأطباء والطبيبات في التخصصي بمستويات أقرانهم في أوروبا وأمريكا حين اضطررت للسفر لعلاج بعض أفراد أسرتي على مدى سنوات مضت وكنت أكتشف كل مرة أن آراء أطباء التخصصي وتشخيصاتهم وعلاجاتهم كانت الأصوب والأفضل والأنجع، وحين خفنا قبل سنوات قليلة على مستشفانا العظيم من أن يتوقف لاعتبارات إدارية ومالية، كنت من أوائل من كتبوا مرات ومرات على صفحات هذه الصحيفة الغراء وسواها من الصحف الوطنية عن ضرورة الوقوف مع هذا الصرح الطبي الشامخ وأن يُدعم بسخاء من الدولة. لأن المنطقة ببساطة شديدة لا تستغني عنه أبداً، ولا بديل له بالمعنى الدقيق رغم وجود العديد من المستشفيات والمراكز الطبية، وكان لنا ولله الحمد ما تمنيناه فصدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله بضم تخصصي جدة إلى منظومة مؤسسة الملك فيصل التخصصي بالرياض في قرار تأريخي، فأصبح تخصصي جدة فرعاً لتخصصي الرياض وانهلّ وابل الخير من بعد ذلك من كل حدب وصوب فسُوّيت أحوال الموظفين وأُمّن الدواء وجُدّدت المعدّات وتوفرت أحدث الأجهزة والآلات للأشعة والمختبرات وسواها، وزادت تعاقدات المستشفى مع كبار الأطباء من كل أنحاء العالم، ومع أمهر وأكفأ الممرضات والممرضين، وبتنا نرى التحديث والتجديد في كل ركن من أركان المستشفى، وسددت ديون المستشفى المتراكمة، وتُوجت هذه المكارم جميعاً بمنح التخصصي أرضاً واسعة جنوبه ليُبنى عليها برج طبي حديث ضخم للمخ والأعصاب، إضافة إلى اعتماد بناء أبراج طبية أخرى لتخصصات شتى منها القلب والسرطان والأطفال، وتُرصد لذلك كله ميزانيات بالمليارات كما سمعتُ من مدير المستشفى سعادة الدكتور طارق بن عبدالله لنجاوي، كما سمعت منه أن هذه المشروعات العملاقة سترى النور خلال مدة قياسية، إن شاء الله. وإن تكن تلك إنجازات إنشائية وفنية للمستشفى يشار لها بالبنان، فإن هناك إنجازات أخرى أحسب أنها توازيها أهمية إن لم تزد وهي الاهتمام بالإنسان وتهيئة الكوادر السعودية المؤهلة ابتداء من الأطباء المختصين وشمولاً للفنيين والإداريين وكل ما يحتاجه المستشفى وربما القطاع الصحي السعودي من كوادر مؤهلة، ومنذ سنوات علمت عن برامج واسعة لابتعاث الأطباء إلى الخارج لإكمال دراساتهم العليا، وفي الوقت نفسه إقدام المستشفى على ضم كثير من المبتعثين والمبتعثات المسجلين في برامج الدراسات العليا في كندا وأمريكا الذين ليست لهم وظائف في المملكة إلى قائمة مبتعثي المستشفى عن طريق تعيينهم على وظائف طبية ليعودوا ويعملوا في المستشفى بعد تخرجهم. ومن إنجازات المستشفى التأريخية في مجال التدريب والتعليم ما شهده المستشفى مؤخراً من انطلاق برنامج السكرتارية الطبية الذي تتدرب فيه كوادر سعودية لمدة خمسة عشر شهراً، يحصلون بعدها على دبلوم في تخصص السكرتارية الطبية الذي تحتاج إليه المرافق الصحية بشدة في جميع أنحاء المملكة، ويضطلع المستشفى بهذا البرنامج التدريبي المهم بالتعاون مع كلية نياجرا بكندا ويهدف إلى تخريج شبان وشابات سعوديين وسعوديات مؤهلين تأهيلاً عالياً في تخصص السكرتارية الطبية، وقد أُعلن عن البرنامج بشكل مكثف خلال شهري يناير وفبراير من هذا العام 2011م، فتقدم له عن طريق الموقع الإلكتروني ما يقرب من خمسمائة شاب وشابة كثير منهم من حملة البكالوريوس، ثم أجريت لهم اختبارات دقيقة ومكثفة منها اختبارات تحديد مستوى في اللغة الإنجليزية ومهارات أخرى إضافة إلى المقابلة الشخصية، ومن بين مئات المتقدمين اختير 18 من الشبان والشابات ليبدأوا تدريبهم في التاسع من ابريل الماضي. ويشتمل التدريب على مواد مختلفة كاللغة الإنجليزية والرياضيات ومعالجة الكلمات والمصطلحات الطبية إضافة إلى مهارات حاسوبية دقيقة، أما مواد التخصص الدقيق فيدرّسها أساتذة مختصون مختارون بعناية وتشمل: علاقات العملاء في المجتمع، وبيئة العمل، وتنسيق ملف العمل، والعمليات التشغيلية بالمستشفى. وجديرٌ ذكر أن المتدربين لا يدفعون أي رسوم للالتحاق بالبرنامج، بل على العكس من ذلك يتقاضون رواتب مجزية تصل إلى أربعة آلاف ريال شهرياً إضافة إلى حوافز وميزات أخرى كالعلاج المجاني، ويضمن الخريجون حصولهم على وظائف بعد تخرجهم مباشرة سواء في التخصصي أو مستشفيات أخرى. إن هذا البرنامج التعليمي التدريبي الفريد يعتبر قيمة مضافة إلى قائمة خدمات مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة للمجتمع سوى خدماته العلاجية والبحثية. وما أحرى المؤسسات الصحية الأخرى أن تحذو حذوه في تهيئة الكوادر الصحية بمختلف تخصصاتها التي يحتاج إليها مجتمعنا بإلحاح.