بعضنا يأخذ النصوص على ظواهرها، وبعضنا يجتهد كثيرًا في تفسيراتها، حتى يكاد يخرج النص عن سياقه! وأعني هنا تحديدًا نصوص الأوامر الملكية الأخيرة، التي جاءت بمثابة استحقاقات لفئات كثيرة من أبناء هذا الشعب، من لدن خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله-. ** وسآخذ بتحديد أكثر، أمره الكريم بإعطاء المتقاعدين من التربويين ستة رواتب للمتقاعدين نظامًا، وأربعة رواتب لمن يتقاعد مبكرًا!! ** وبدءًا، فإن الأمر الكريم ينص صراحة على إعطاء ستة رواتب لمَن أمضى المدة القانونية، وكان تقاعده لبلوغ سن الستين عامًا!! ** والغاية هو منح تلك الفئات المشمولة بالتقاعد النظامي هذا الاستحقاق الكريم! ** لكن مع الأسف أن هناك مَن يحاول لوي النصوص، وإخراجها من سياقها العام، وربطها بتفسيرات قد تعطّل الاستحقاقات، وتغيّر المستهدف العام من الأمر الملكي الكريم لفئات أفنت عمرها وزهرة شبابها في خدمة التربية والتعليم!! ** فهؤلاء يحاولون جاهدين ربط نص الأمر الملكي بنص آخر قد يُخرجه عن هدفه العام من تكريم الدولة لمن أفنوا أعمارهم داخل الفصول الدراسية، وهم يعلّمون الأبناء، ويكرّسون حياتهم من أجل الأجيال وتخريجهم؛ ليكونوا سواعد بناء لهذا الوطن المعطاء!! هؤلاء يلوون أعناق النصوص، ويحاولون ربطها بنصوص أخرى، وكأن هدفهم تعطيل النصوص الصريحة التي أرادها المليك أن تكون منحة كريمة مستحقة لمن أفنوا شبابهم في تعليم الأجيال، وإعداد النشء لمعترك البناء والحياة!! ** هؤلاء يقومون بربط النصوص الصريحة والواضحة لنصوص أخرى تحمل أكثر من تأويل، ويحاولون بذلك تعطيل النص الصريح والواضح!! خذوا عندكم.. فالمادة رقم (53) من لائحة جديدة أسموها لائحة الحقوق والمزايا المالية، صادرة من وزارة الخدمة المدنية تقول صراحة: يصرف للموظف الذي تنتهي خدمته بعد نفاذ هذه اللائحة (مكافأة نهاية خدمة) تعادل رواتب ستة أشهر في الحالات الآتية: التنسيق من الخدمة بموجب المادة 16 من لائحة إنهاء الخدمة. الإحالة على التقاعد بسبب العجز عن العمل. الإحالة على التقاعد بسبب بلوغ السن النظامي. الوفاة. انتهى إلى هنا النص الأول من المادة، ثم أكملها بنص آخر يقول: “وتصرف مكافأة نهاية خدمة تعادل رواتب أربعة أشهر للموظف الذي يُحال على التقاعد المبكر”، ثم اتبع هذه الفقرة بعبارة: “على أن لا يجمع بين هذه المكافأة ومكافأة الفئات الوظيفية المشمولة باللوائح خاصة التى يعتبر نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية جزءًا مكملاً لها”. وهنا جاء (الحيص بيص)، فتفسير هذه العبارة، البعض ألحقها بالمادة كاملة على اعتبار أنها جاءت ضمن فقرات المادة وليست منفصلة عنها، والبعض الآخر يقول بأن هذه العبارة لا تعني إلاّ المحالين على التقاعد المبكر، وأنها ملحقة حصريًّا بذات النص، وليس بعموم نصوص المادة! كثرت التفاسير، وكثر مَن يحاول لوي النصوص، ويبدو أن بعض النفوس تحاول الوصول إلى ما يعطّل منافع الناس أكثر من الوصول إلى ما يحقق مصالحهم، هذه المصالح والمنافع هي بمليون تأكيد وتأكيد هي دافع ورغبة وغاية خادم الحرمين الشريفين، وأوامره السامية! ** بعض الإدارات التعليمية وقعت ما بين شراك الحابل والنابل، بعضها أخذ بظواهر النصوص استهدافًا (لمصلحة)، وفهمًا (لغاية). وبعضها -ممّن يرى الجزء الفارغ من الكوب قبل الجزء الممتلئ- توقف عند ظاهر النص، ورأى أن (فك الاشتباك) ما بين نصوص هذه المادة يحتاج إلى تفسير واضح، وبالتالي فهم خاطبوا وزارة التربية والتعليم (يستفسرون)، والتربية خاطبت الخدمة المدنية (يستوضحون)، (وحلها يا فرج) حتى تصل الإجابات! وفي النهاية فإن الضحية هم المتقاعدون التربويون الذين تعطّلت مصالحهم ومكافآتهم؛ بسبب جزئية من النص لم ترد أصلاً في مضمون الأوامر الملكية! هؤلاء سيخرجون من أعمالهم، وموضوعهم لم يُحل بعد! ** ثم بالله عليكم.. هل هذه خاتمة تليق بمربين قضوا حياتهم، وأفنوا زهرة عمرهم فى بناء الأجيال؟! ** ثم بالله عليكم ثانية وثالثة.. هل من منفعة المواطن، أو من مصلحة الوطن أن نكرّس جهدنا فى البحث عن (التفاصيل) التي تعرقل أكثر ممّا تحقق؟! ** ليت اللاهثين خلف تلك التفاصيل يفهمون مقاصد المليك، وغايات الأوامر، والظروف الحالية والإصلاح!! بالتأكيد لو ربطوا بين كل هذه المفردات لاستراحوا قليلاً من عناء البحث فى التفسيرات المعطّلة داخل اللوائح التنفيذية. خاتمة.. * النفث في الشموع يجلب الظلام.