توقع كثيرون من القمة التشاورية الثالثة عشرة لدول مجلس التعاون الخليجية، والتي عقدت أمس الأول في الرياض أن تصدر عنها إجراءات حاسمة في مواجهة التحديات المتزايدة التي تواجهها دول المجلس، لكن أحدًا ما لم يكن يتوقع تلك الخطوة التي جاءت مع انتهاء القمة وفاجأت الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية في العالم، عندما أعلن أمين عام المجلس عن ترحيب قادة دوله بطلب المملكة الأردنية الهاشمية الانضمام إلى المجلس، وتكليف وزراء الخارجية دعوة وزير الخارجية الأردني للدخول في مفاوضات لاستكمال الإجراءات اللازمة لذلك، إلى جانب دعوة المملكة المغربية للانضمام أيضًا. فانضمام دولتين في وزن المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية للمجلس -فيما لو تحقق- يعني الكثير، أولًا لما تحتله الدولتين من ثقل عربي وإقليمي ودولي على الصعيدين السياسي والاستراتيجي، وأيضًا بسبب العلاقات المتميزة والمصالح المشتركة والمواقف الموحدة بين دول المجلس والدولتين الشقيقتين، وحيث يمكن أن يساهم انضمامهما إلى المجلس في العديد من المنافع والفوائد التي ستعود بالخير على دول المجلس وهاتين الدولتين. تجربة رائدة وفرت التجربة الخليجية في الوحدة نموذجًا معياريًا بالنسبة لسائر التجارب الوحدوية العربية على مدى أكثر من نصف قرن، وذلك عندما نجحت في اعتماد أطر للتعاون والتكامل والتشاور من خلال الاتفاقيات التي شملت كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية على الصعد الداخلية، ومن خلال تبني مواقف موحدة ورؤى مشتركة إزاء القضايا العربية والإسلامية والدولية، التي تهم تلك الدول وفي مقدمتها قضية السلام في الشرق الأوسط والتصدي لمخاطر الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية على الصعد الخارجية، وبما أوجد في المحصلة أرضية صلبة لانطلاقة حقيقية لمسيرة المجلس نحو تحقيق أهدافه وتطلعاته في توفير الأمن والاستقرار والرخاء في المجتمع الخليجي ككل والوقوف بصلابة أمام التحديات والمخاطر التي تستهدف أمن واستقرار دوله، إلى جانب دعمه للقضايا والهموم العربية والإسلامية، وتقديمه كافة أنواع الدعم والمساندة للعمل العربي المشترك. هذا الإنجاز الكبير الذي حققته التجربة الخليجية، فتح المجال أمام تطلع دول المجلس نحو توسيع آفاق التجربة لتشمل المزيد من الدول العربية، التي تربطها بدول المجلس العديد من السمات المتشابهة، وتتعرض للمخاطر والتحديات ذاتها، بما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من إثراء للتجربة ودعم لمسيرتها الخيرة. الأردن والمغرب: لماذا؟ طلب المملكة الأردنية الهاشمية الانضمام إلى المجلس، والذي قوبل بالترحيب، وتوجيه الدعوة للمملكة المغربية الانضمام، وهو ما قوبل أيضا بالترحيب، ذلك الطلب وتلك الدعوة تلفت النظر وتثير التساؤل: لماذا الأردن على وجه الخصوص؟ يمكن القول في الإجابة على هذا السؤال أن هنالك خصوصية في العلاقات التي تربط دول المجلس بالأردن أولها تواصله الجغرافي مع السعودية عبر حدودها الشمالية، إلى جانب أن تقارب التركيبة العشائرية للمجتمع في البلدين يشكل عاملًا مساعدًا في إتمام هذه الخطوة المهمة، التي سيترتب عليها ترسيخ تلك التجربة وإكسابها قوة دفع جديدة لما سيتيحه انضمام هذا البلد الشقيق من استفادة دول المجلس من الأيدي العاملة الأردنية لاسيما وأن الأردن يتميز بعدد كبير من الأكاديميين والمتعلمين والمثقفين إلى جانب أن الأردن مؤهل عمليًا للانخراط في التجربة. وفي حالة انضمام المغرب إلى المجلس فإن ذلك سيفتح المجال أمام تدفق العمالة المغربية العربية- إلى جانب العمالة الأردنية- إلى دول المجلس، مما سيساعد على التخلص من الأعداد الهائلة من العمالة الآسيوية المتواجدة في دول المجلس، واستبدالها بعمالة هاتين الدولتين العربيتين الشقيقتين. من جهة أخرى، فإن انضمام الأردن، أو الأردن والمغرب معًا، إلى دول المجلس سيعني مزيدًا من فاعلية المجلس ودعمه في مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية والتدخلات الخارجية، فيما سيدعم مسيرته الوحدوية، وسيشكل قوة دفع للعمل العربي المشترك ودعم القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. كما أن توسيع العضوية لتشمل المزيد من الدول العربية يعتبر خطوة هامة على صعيد تقريب حلم الوحدة العربية وإمكانية تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع بعد أن بددته الفتن والخلافات والانقسامات.