لو تغاضينا عن توقيت العملية الذي يتزامن مع وجود حالة فراغ سياسي كبيرة في المنطقة، حيث ثارت بعض الجماهير العربية ضد أنظمة حكمها، وما زالت حتى الآن، فإن عملية مقتل زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن لن تُقدِّم أو تُؤخِّر كثيرًا في سير الأحداث. أسامة بن لادن قُتل بعد أن ماتت الأفكار التي يُمثّلها ويرمز إليها عمليًا. ولعل سلسلة الاحتجاجات التي تحوّلت إلى ثورات ترفع شعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في العديد من البلاد العربية، أثبتت أن ما يُسمّى بتنظيم القاعدة فقد ما تَبقَّى من مجموعة من المتعاطفين معه في الشارع العربي. التعاطف مع القاعدة لم ينشأ عن قناعة بالأفكار أو بالمنهج التكفيري، الذي حاولت أن تروجه هذه المنظمة الإرهابية، بقدر ما نتج عن حالة يأس واحتقان شديد، مرت بها العلاقة بين الشرق والغرب فيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ومن ثم إعلان ما يُسمَّى بالحرب على الإرهاب مِن قِبَل الولاياتالمتحدة وحلفائها. أفكار القاعدة كانت ورمًا طارئًا في الجسد العربي، ولذلك فإنها فقدت وبمنتهي السرعة، ذلك البرق الذي ارتبط في ذهن ووجدان المتعاطفين معها، بالحرب على قوى الاستعمار. أسامة بن لادن في رأيي لم يُقتل على يدي فرقة الكوماندوز الأمريكية الخاصة، وإنما قُتل فعلًا على يدي الثوار المصريين الذين رفعوا الهلال إلى جانب الصليب. وإذا كان ميدان التحرير هو المكان الذي تم فيه تحرير شهادة وفاة زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، فإن ميادين العديد من المدن اليمنية هي التي كانت قبر بن لادن. مقتل بن لادن بعد كل هذه التطورات والمعطيات التي استجدت على الساحة العربية، هو أشبه بعملية هوليودية هدفها الاستعراض والإبهار. إنها عملية موجهة للجمهور الأمريكي في المقام الأول، لأنها لم تعد تعني أحدًا في العالم العربي، وربما في العالم أجمع خارج نطاق الولاياتالمتحدة التي خرجت فيها الجماهير عبر مسيرات حاشدة للاحتفال بمقتل بن لادن. إنه مشهد تلفزيوني بامتياز. [email protected]