رأى الفنان عابد البلادي أن اختياره ضمن رواد الأغنية الشعبية العربية في مهرجان الرواد العرب في الدوحة في عام 2010م، ثم تكريمه بهذه المناسبة من قبل وزارة الثقافة والإعلام في حفل أقيم بجدة مؤخرًا، هو إنصاف لمسيرته الفنية، معتبرًا أنه تم تجاهله كثيرًا -على حد وصفه-. وتطرّق البلادي في حوار مع «الأربعاء» للجفاء الذي يسود علاقته بالتلفزيون، على عكس العلاقة الجيدة التي تربطه بالإذاعة، وتحدث عن مستوى الأغنيتين العربية والمحلية وقال إنهما تمران بمرحلة سيئة فنيًا، ودافع عن تراجع جماهيرية الأغنية الشعبية وحمّل الإعلام مسؤولية تهميشها وعدم تقديمها للأجيال الجديدة.. وفيما يلي تفاصيل الحوار مع الفنان عابد البلادي.. * وماذا عن تواصلك مع الإذاعة بشكل عام؟ - منذ بداياتي الفنية وأنا على علاقة ود وتعاون مع الإذاعة وما زال هذا التعاون مستمرًا حتى الآن، فالإذاعة تستقبل مني أحدث أعمالي الفنية وتذيعها مع بقية الأغاني الموجودة لديها، وبخاصةً إذاعة جدة، وأنا أشكرهم على هذا التعاون. * بوصفك أحد رموز الأغنية الشعبية السعودية.. كيف ترى مستوى الأغنية المحلية حاليًا؟ - الأغنيتان العربية عامة والسعودية خاصة تمران بأزمة كبيرة سواء في الكلمة أو اللحن أو الأداء، وأصبحت الساحة الفنية مليئة بالكثير من الأغاني الهابطة التي تشمئز منها النفس بسبب هبوط الذوق، ونحن إذا نظرنا بصفة عميقة نجد أن التقنيات الحديثة في تسجيل الأصوات حوّلت الأصوات النشاز إلى تغريد، ولهذا نجد أن الكثير من محلات بيع الأشرطة تمتلئ بآلاف الأشرطة لفنانين كثر وفي النهاية تنتهي هذه الأشرطة في سوق الحراج وتباع بريال، علمًا بأن كثيرًا من هذه الأغاني تذيعها الإذاعة السعودية التي كانت تحرص كل الحرص على ألا تذيع إلا الأغاني الأصيلة والمعبّرة، وكان المستمع يهرب من الإذاعات التي تذيع الأغاني الهابطة التي تهدف إلى الكسب المادي إلى الإذاعة السعودية حيث يجد فيها بغيته ولكنها خيّبت الآمال وركبت ذات الموجة. * في أحد حواراتك الصحافية حصرت الأصوات الفنية الحقيقية حاليًا بخمسة مطربين فقط هم: محمد عبده وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد ورابح صقر وخالد عبدالرحمن.. هل كان ذلك من باب المثال لا الحصر أم أن هذا ما تراه حقيقة؟ - هناك أصوات جيدة تستحق الإشادة وبخاصةً في المملكة، وأنا ذكرت تلك الأسماء حصرًا لا مثالًا. * بحكم قربك من الأغنية الشعبية.. ما السبب في تراجع جماهيريتها في السنوات الأخيرة؟ - الأغنية الشعبية التراثية ما زالت متألقة ولها جمهورها ومحبيها لأنها أغنية ذات أصالة وجمال وتعكس تراثًا توارثه الآباء عن الأجداد، وتراجعها في السنوات الأخيرة ليس سببه الأغنية، سواء من ناحية الكلمة أو اللحن أو الأداء، ولكن السبب هو الإعلام الذي أخفاها عن الأجيال الصاعدة ولم يربط هذه الأجيال الجديدة بماضيها الأصيل من خلال الأغنية الشعبية، بعكس وسائل الإعلام بالدول العربية الأخرى والتي أصبحت تهتم بالتراث الشعبي كاهتمامها بالرياضة والعلوم، كما تجد أن الجهات المعنية بالثقافة في هذه الدول تهتم بتراثها وتقيم المعاهد لدراسته وتنشئ المسارح والجمعيات التي تقوم بتوثيقه وإيصاله عبر وسائل الإعلام التابع لها إلى الجمهور، وكذلك الدول الغربية، فمثلًا لو سألت أي شاب في مصر عن سيد درويش وسلامة حجازي ومحمد طه وبيرم التونسي ومحمد العزبي ومحمد رشدي ومحمد قنديل وفاطمة عيد وليلى نظمي وغيرهم من الفنانين وهو في سن الخامسة عشرة لأخبرك عنهم الكثير، ولكن لو سألت أحد أبنائنا وقد تجاوز العشرين من عمره عن محمد علي سندي أو فوزي محسون أو سلامة العبدالله أو غيرهم من الفنانين لقال لك لا أعرف عنهم شيئًا ولم أسمع أعمالهم!! * ما حقيقة أن ألحان الأغاني الشعبية تتعرض للسرقة تحت ذريعة أنها تراث أو فلكلور مطور من قبل بعض الملحنين؟ - ليس هناك ألحان أغاني شعبية وإنما هناك تراث توارثناه آباء عن أجداد وأصبح يطلق عليه الفلكلور، وهناك أناس ضعفاء النفوس غير قادرين على الظهور يسطون على هذا الفلكور ويزعمون أنه من ألحانهم وينسبونه إلى أنفسهم زورًا وبهتانًا ليجعلوا من أنفسهم ملحنين، ومنهم من يغني هذا التراث تحت ذريعة إحيائه وهم يسيئون إليه إساءة كبيرة وينفّرون المستمع منه لعدم قدرتهم على أدائه بصورته الحقيقية. * ألبومك الأخير الموسوم ب «دلع».. هل أرضى طموحك بعد هذا التوقف؟ - نعم.. وأنا من الطبيعي لا أنزل ألبومًا إلا وأنا راض عنه تمام الرضى. * لديك تعاون جديد مع الموسيقار طارق عبدالحكيم.. ماذا عن تفاصيل هذا العمل؟ - أنا في رأيي أن الفنان الموسيقار الكبير طارق عبدالحكيم كونه عميدًا للفنانين العرب إلا أنه أب للفنانين السعوديين بشكل خاص وشرف لكل فنان أن يتعاون مع هذا العملاق الذي له مكانته وسمعته الفنية في العالم العربي، ومن حسن حظي أن شريطي المقبل سيضم أغنية بعنوان «عضّي أصابع الندم» كلمات الشاعر فوزي فنتيانة وألحان أستاذي طارق عبدالحكيم. * تجمع بين الغناء وقرض الشعر فهل ذلك يجعلك أكثر إحساسًا بالأغنية أثناء أدائها؟ - الشعر مرآة عاكسة لسلبيات وإيجابيات المجتمع، وأنا كفنان كثيرًا ما أجالس الشعراء وأحضر أمسياتهم الشعرية، وكثيرًا ما أتأثر بهذه الأبيات التي أسمعها وبالمواقف التي أشاهدها، والبدوي بطبيعته يتوارث الشعر عن آبائه وأجداده، ومن غريب المصادفة أن شعري لا يتفق مع غنائي، فأنا أغني للحب والعشق والهيام، ولكني كشاعر أتجه للنصح والحكمة والحث على المروءة والنخوة والكرم ومن الأمثلة على ذلك قصيدتي التي وجهتها إلى ابني «وصيتي إلى عادل». * قدمت ألوانًا شعبية متنوعة.. لكن يظل «الخبيتي» هو اللون الأكثر ارتباطًا بك.. لماذا؟ - لأنه فن نابع من بيئتي، ومنذ طفولتي وأنا أسمعه وأردده في ديرتي، وهو أول لون أدّيته في مسيرتي الفنية وعرفني الجمهور به، وهذا ما جعلني أردده في الكثير من المناسبات ويُطلب مني من قبل الجمهور وهذا سبب ارتباطي ب «الخبيتي». * وماذا عن لون «الكسرة» ولماذا ظل انتشاره محصورًا في منطقة الحجاز؟ - «الكسرة» من الألوان الفنية الحجازية التراثية وهي تنتشر في المنطقة الغربية كونها تعكس خصوصية تراث هذه المنطقة الشعبي. * لنعد إلى الوراء 40 سنة. كيف كانت مرحلة البدايات وبمن تأثرت في تلك الفترة؟ - علاقتي بأساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم وكان لهم الفضل فيما وصلت إليه من شهرة ونجاح وما زلت أذكرهم بكل خير وأزورهم كلما ذهبت إلى المدينة والتقي بهم ومنهم: محمد النشار وأحمد شيخ ومحمود خلاف أطال الله في أعمارهم واسأل الله الرحمة والمغفرة لأستاذي عبدالعزيز شحاتة. * تتكئ على رصيد فني كبير، فلديك 28 ألبومًا بالأسواق، وأكثر من 58 شريطًا وأسطوانة قبل ظهور شركات الإنتاج.. هل تشعر بالرضا عما قدمته حتى الآن؟ - طموح الإنسان يسير مع عمره وكلما حقق نجاحًا في شيء ما يرى أنه لا يزال يطمح في نجاح أكبر وهذا يدل على أن من صفات الإنسان الطموح التطلع دائمًا نحو الأفضل فكيف بالفنان الذي يبحث دائمًا عن التألق ويشعر دائمًا أنه في حالة تنافس مع نفسه، وبالنسبة لي -بفضل الله- كل أشرطتي تلاقي إقبالًا من الجمهور يسمعها ويتفاعل معها، وكلما نجح لي شريط أطمح في أن يكون الذي يليه أكثر نجاحًا منه، فتجدني مع كل شريط أبحث عن الأفضل والأجمل لتقديمه للجمهور حتى لا يقال أن الشريط الماضي أفضل من الشريط الجديد.