لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «نتفليكس» تواجه غضب السعوديين بسبب رفع الأسعار.. هل تسقط أمام المنافسين ؟    إصابة طبيب في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    11 تطبيقاً على هاتفك.. تتجسس عليك    بروزوفيتش مهدد بالغياب أمام الاتحاد    "مركز الأرصاد" يصدر تنبيهًا من أمطار غزيرة على منطقة الباحة    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    اختبارات الدور الثاني للطلاب المكملين.. اليوم    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    رصد أول إصابة بجدري الماء في اليمن    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    "ليالي المحافظات" تنطلق في شتاء جازان 2025 بألوان التراث والفلكلور    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    القِبلة    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    نائب وزير التجارة تبحث تعزيز الشراكة السعودية – البريطانية    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    المدى السعودي بلا مدى    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    أسبوع واحد نقل الحرب في أوكرانيا إلى التصعيد    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيكولوجية الوسطية والتوازن بين المادة والروح
نشر في المدينة يوم 22 - 04 - 2011

قام التشريع الإسلامي للإنسان على أساس التوازن السلوكي بين الدين والدنيا، بين الروح والمادة، فهو الدين الخاتم والشامل المتوازن، على خلاف ما جاءت به الديانات الأخرى، التي انحازت لطرف على حساب الآخر، فديانة انحازت للمادة على حساب الروح، وأخرى تطرقت إلى إشباع التوجه الروحي على حساب المطالبة المادية، لكن الإسلام جاء وسطًا في التوجه وفي العقيدة والعبادة والمعاملات. وفق هذه الرؤية ينطلق د.حمدي الفرماوي أستاذ علم النفس التربوي ورئيس الجمعية المصرية للدعم النفسي في كتابة الصادر حديثًا عن مكتبة الأنجلو المصرية تحت عنوان “سيكولوجية الوسطية لتعزيز الاعتدال ومواجهة التطرف”.
يستشهد المؤلف بما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه: جاء ثلاثة رهط بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادته. “فلما أخبروا.. قالوا: وأين نحن من النبي الذي قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي لله أبدا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
وهكذا يؤكد د.الفرماوي أن الإسلام جاء إذًا ليصحح التطرف السلوكي والذي مازال ينعكس في توجهات فكرية معاصرة ضالة متمثلة في الفكر الرأسمالي، ذلك الذي يحث الناس على الإسراف والتمتع بالحياة وملذاتها، أو في توجهات الفلسفة الهندية أو الشرقية، حيث الزهد وحرمان النفس، وفي التوجهين تطرف وتشدد يخالف الطبيعة الإنسانية، التي جاء بها الشرع الإسلامي مطابقًا لها، فقد فاقت عقيدة القرآن الكريم كل محاولات الشرق والغرب في إحداث التوازن في المجتمع، إذ ليست للفردية طغيان على المجتمعية، وليست مطالب المجتمع بطاغية على مطالب الفرد، ومعنى ذلك أنه في الوقت الذي يتاح لكل فرد والجماعة الحق في التملك، فإن على كل منهما كفالة الآخر ومراعاته، لذا جاء المجتمع في عقيدة الإسلام جسدًا وبنيانًا متكاملًا؛ فيه التوازن مهيئًا البيئة المناسبة لتعزيز الوسطية.
ويوضح المؤلف أن مبدأ الوسطية هذا تجلى في تنظيم العلاقة بين الدين والدنيا، بين الروح والمادة، بين الربانية والإنسانية، بين الفردية والجماعية، بين الوحي والعقل، وبين الواقعية والمثالية. ومن هنا أصبح الأخذ بالوسطية واجب شرعي، فطبقًا للوسطية كتشريع ومنهج، يكون الإنسان مدعوًا إلى الاعتدال بين الوحي بما فيه من غيبيات وما يدركه العقل من محسوسات، ويتوسط بين حقوقه الفردية وحقوقه الجماعية ويعدل بين الواقع، حيث لا يجب إهماله وبين عدم التقصير في النزعة للمثالية، أيضًا مطلوب من الإنسان أن يوازن بين الثابت والمتغير، فيتمسك بالثوابت في الوقت الذي يواجه فيه المتغير بمرونة وفهم.
وقد يتساءل القارئ عن مفهوم الوسطية من منظور سيكولوجي، فنجد المؤلف يبادر بتقديم الإجابة حين يقول: وجدنا الوسطية تعني توسط الإنسان في سلوكه وأحكامه فلا يتطرف إلى التشدد أو التعسير أو اللين أو التفريط، ولا يخرج عن الجاد الذي يبعده عن الهدف.. ومن هنا كانت الوسطية مبدأ شرعيًا ومنهجًا يحكم سلوك الإنسان. وفي ضوء المفاهيم السيكولوجية يمكن صياغة تعريف للوسطية قد يكون مستقبلًا محورًا للدراسات النفسية على اختلاف مقاصدها فيمكن القول إن الوسطية هي: الأسلوب الذي يميز الإنسان في تفكيره وتوجهاته، فينعكس على أحكامه ومواقفه وسلوكه اعتدالًا وتوازنًا، وحيث لا يميل سلوكيًا إلى طرف حاد يبدو فيه التشدد أو طرف يبدو فيه التفريط، واستكمالًا لهذا التعريف وزيادة في تبيان أبعاد الوسطية في ضوء المفاهيم السيكولوجية فإن الوسطية تعتبر توجهًا سلوكيًا للأفضل أو الأجود أو الأيسر بين طرفين، وهي أيضًا توسط بين ضعيفين، فالتشدد ضعف والتفريط ضعف وتخاذل، ومن جهة أخرى يمكن اعتبار الوسطية هي رمانة الميزان على متصل وهذا المتصل يبدأ بطرف حاد لينتهي إلى طرف حاد آخر.
ثمة علاقة قوية بين الوسطية والنضج الانفعالي. هذا ما يؤكده د.حمدي الفرماوي حيث يقول: البناء النفسي للإنسان يقوم على أساس لا إفراط في إشباع الإنسان لحاجاته ودوافعه ولا تفريط في هذه الإشباعات بمعنى الزهد الذي يبعده عن إنسانيته وأيضًا لا شح ولا تبذير، فالشح رذيلة تؤدي بالإنسان إلى البعد عن الجماعة التي ينتمي إليها وكذلك التبذير فهو خاصية من خصائص الشيطان وهذا التوازن هو سبيل النفس في مجاهدتها نحو المعيشة على الأرض والتطلع الروحي لخالقها. وبالنسبة للانفعالات يكون من غير المفيد أن يصل فيها الإنسان إلى حد المغالاة أو الشدة ولا يستحب أيضًا أن يكون في الوضع الذي يوصف فيه بالجمود أو التبلد الانفعالي وهذه ممارسة واضحة للوسطية في الانفعالات.
وسيطرة الإنسان على انفعالاته ودوافعه أو التحكم فيها يدل على النضج، إذ هو في الوضع المتمكن منها الذي يستطيع أن يتحكم في إرجائها أو إشباعها فلا تصل إلى التطرف لذا لا يصل معه الحال إلى إلحاح الدوافع فهو قادر على إرجائه على أن يحين الوقت والمكان المناسبين. إن السيطرة على الانفعال تدل على أن الإنسان في حالة من السلام النفسي مع ذاته والإنسان من هذا النوع يستطيع بسهولة أن يحيل العداوة والغضب إلى صفح وتسامح ويحيل الاندفاع إلى صبر ومثابرة في إصلاح الغير. والإنسان الذي يشعر بالحرية هو الإنسان المرتبط بربه فيتحرر من سيطرة العباد وسيطرة المادة فتقوى إرادته وينصر الحق في تفاعله مع الناس ويتحمل النقد وعواقب الفشل ويتنافس مع الآخرين في منافسة شريفة بعيدًا عن الحقد والحسد.
ويضرب المؤلف عدة أمثلة ساعدت على التطرف في المجتمع العربي والإسلامي وجعلته يحيد عن الوسطية والاعتدال، ومنها على سبيل المثال شعور الناس بالظلم وانتشار الفساد والإطاحة بأهل الكفاءة وتفضيل أهل الثقة المقربين غير ذي الكفاءة، وعدم وجود منافذ شرعية لوصول الرأي ورفع الظلم والاستبداد وغياب الحرية، التي هي أصل العدالة الاجتماعية.. كل هذا يدفع الإنسان للسير بقانون ذاتي فيجعل كل همه الحصول على حقه ولو بالقوة والعنف.
ومن أمثلة ذلك أيضًا خلو الساحة -تقريبًا- من العلماء والكبار المخلصين الذين يجب عليهم ضبط إيقاع الفكر والإدراك والفتوى والاجتهاد في المجتمع وترك الساحة لمتزمتين من ذوي الشخصية التسلطية والمتنطعين في الدين والدعوة. كذلك خلو مناهج التعليم من التربية السلوكية تلك التي تستهدف بناء شخصية سوية غير تسلطية والتركيز فقط على تعليم الطقوس الدينية البسيطة أو على الأكثر قراءة القرآن الكريم، وتركيز وسائل الإعلام العربية والإسلامية على الإثارة الفكرية والسلوكية واعتماد أفكار تطرفية تصنع بها برامج ومادة إعلامية تستهدف المكسب المادي متجاهلة الخسارة في عقول وقيم الأمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.