كلهم بالأمس كانوا هناك في حضرة الصادق محمد الدياب، كانوا هناك الأحياء، وأبناء الأموات، والذين ما زالوا يعشقون، والذين أثقلتهم الهموم والأحزان. كانوا هناك في حضرة الدياب الذي مازالت روحه بيننا تطوف، كانوا يطرزون طوابير من الحب العميق لرجل أذهلهم بالتجول في الذاكرة. كان الدياب محمد صادق سفينة محمّلة بالذكريات الجميلة، حفظت هذا الاسم جيدًا في بداية حياتي الصحافية. كنتُ أحاول أن أكون عضوًا في «مركازه»، مركاز العمدة وأن أدخل إلى مدرسته الكبيرة من بوابة «الأربعاء»، بعد فترة «عكاظية»، وكان لي ما أردت، دخلت أولاً إلى قلبه، وانفتحت لي كل الأبواب بعد ذلك، وأعطاني الثقة الكاملة في إخراج «الأربعاء». كان الداعم الأكبر لي في مسيرتي الصحافية حتى في آخر لقاء جمعنا في لندن مع العائلة يصر على الاهتمام والاطمئنان عليّ. وبالأمس انتهى العزاء وغادر المعزون السرادقات الكبيرة، ولكن الدياب ظل في القلوب، وما زلنا نغتسل ببعض كلماته ونصائحه. لم تبقَ إلاّ أشرعة الفرح التي أطلقها الدياب في مسيرتنا تجوب الأماكن، ولم يبقَ إلاّ هو وبقايا رائحة تصلح لقادم الأيام. بالأمس كان الدياب نجمًا أكد اسمه في ذاكرة المحبين، وسيسجل تاريخنا، أن الدياب كان وما زال «عمدتنا» وأن مركازه مازال ممتدًا من حارة البحر إلى أرقى شوارع لندن. في لندن كانت لنا أيام اكتشفت أن هذا الرجل لا يعرف الأعداء، وأن قافلة محبيه تزداد كل يوم. واليوم ونحن نودعه لن ننسى شهود العيان الذين جاءوا ليكتبوا في تاريخ الإنسان الجميل أن الدياب مازال بيننا، وأنه بالفعل كان في الحديقة يتقبل مثلنا العزاء ويشاركنا موت الإنسان، لا موت الذاكرة والحنين. • نائب رئيس تحرير الوطن [email protected]