** مدخل: الصورة الشخصية تعني نقل وتسجيل ملامح وسمات الشخصية الإنسانية في دقائقها الخاصة المميزة، وفي العادة تكون لفرد ما حقيقي أو متخيل باستخدام مجالات الفنون التشكيلية سواء في الرسم أو التصوير أو النحت أو الجرافيك.... الخ، والوجه الإنساني من أهم العناصر الفنية التي شغلت اهتمام الكثير من الفنانين على مر العصور، وما زال هذا الاهتمام قائمًا إلى يومنا هذا، فقد عبّر الكثير من الفنانين عن الوجه الآدمي بطرق وأساليب ذات أبعاد تشكيلية وتعبيرية مختلفة، تتضمن سمات مادية “تشكيلية” ومعنوية “تعبيرية” تتمثل في ملامح الوجه وما يحمله من تعبيرات لحركات عضلية متنوعة تعطي دلالات نفسية مختلفة، وذلك لأن طبيعة الوجه التي يتميز بها ما هي إلا وليدة لعوامل شعورية تتفاعل داخل الإنسان فتتأثر ملامحه وتنطبع آثارها عليه؛ فتارة تكون حزينة، وتارة أخرى تكون هادئة، وثالثة مسرورة وسعيدة، ورابعة غامضة تحوي الكثير من الأسرار والمعاني، وبذلك تفصح الأعمال الفنية القائمة على توظيف الوجه كمفردة تشكيلية عن الكثير من المعاني التعبيرية التي تعكس مشاعر وأحاسيس الإنسان، إما الإنسان الفنان أو الإنسان الذي يقوم الفنان برسمه. وعندما نتتبع هذا المجال عبر العصور يمكننا الوقوف على ما قدمته فنون الحضارات في مجال الصورة الشخصية؛ حيث تركت عظيم الأثر في مجال فن التصوير، فتضمنت معالجات وتقنيات وأساليب ميزت كلًا منها على حدة، وأضفت عليها سمات تعبيرية وقيمًا تشكيلية متنوعة، إلا أن الصورة الشخصية في العصر الحديث قد لاقت اهتمامًا كبيرًا نتيجة لما فرضه هذا العصر من تطور في الرؤية والمفهوم والمضمون والتفسير، فقد كان لهذا التطور دور مهم في مجال الفن عامة والتصوير بصفة خاصة، وذلك من خلال تطبيق الأساليب العلمية الحديثة في التصوير بتعميق الفكر التجريبي، الذي بدوره أثرى جوانب الرؤية الجمالية وساهم في تنمية الفكر الإبداعي، فظهرت العديد من المعالجات الفنية المختلفة التي أثرت ذلك الاتجاه.. من هنا تتأتي قيمة وأهمية ذلك الجانب التشكيلي القائم على مفردة الوجه الآدمي كعنصر مهم للتعبير. ** قيمة الشكل في أعمال محمّد الريس: الشكل في العمل الفني هو أحد عنصرين أساسيين هما الشكل والمضمون، والشكل في أعمال محمّد الريس قائم على توظيف الصورة الشخصية لجلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، ولقد قامت مجموعة الأعمال التشكيلية التي قدمها الريس على محاكاة صور المليك الشخصية خلال مراحل متعاقبة في حياة جلالته، فنراه حينما كان طفلًا ثمّ شابًا ثمّ رجلًا مكتمل البنية، رمز الحكمة والعطاء والعطف.. وبرغم تنوع مراحل النمو وتباين التعبير في تفاصيل الوجه الذي يحمل من التعبيرات ما يفصح عن ابتسامة أب، أو سكون حكيم، أو تطلع لمستقبل واعد لأبنائه، كما نلاحظ تناغم الثوب وهارمونية الألوان في الوجوه الملونة وتباين الظلال في الوجوه المرسومة بالأبيض والأسود. لقد حاول الريس رسم صور شخصية تكتسب قيمتها من قيمة ملكية سامية تتضمن مشاعر السمو والتفاني والقوة والحب.....، واستخدم الأصل الطبيعي لتحقيق عمل فني يعبّر عن غايات مثالية. والمتلقي لأعمال الريس يلاحظ تغلبه على مشكلات الشكل التي تعد من أهم مشكلات التعبير الفني التشكيلي التي تواجه ممارسي العملية التشكيلية، من هنا تتأتى أهمية تناول المعالجات الفنية للشكل من خلال دراسة الأساليب والاتجاهات الفنية المختلفة للوقوف على القيم الفنية والجمالية بأعمال التشكيلي محمّد الريس القائمة على تناول مفردة الوجه الإنساني في التشكيل الجمالي. ** الأنماط الرئيسية للصورة الشخصية في رسوم وتصاوير محمّد الريس: تتعدد الأنماط الرئيسية للصورة الشخصية عامة فمنها: 1. البورتريه الجبهي: وهو عبارة عن دراسة للوجه فقط، وقد يظهر الكتفين، وهو الأكثر انتشارًا. 2. البورتريه النصفي: وهو عبارة عن دراسة للوجه والرقبة والكتفين والصدر، وقد تظهر به اليدان. 3. بورتريه ثلثي الطول: وهو عبارة عن دراسة للوجه حتى الركبة. والمشاهد لأعمال الريس يلاحظ اهتمامه بالنمطين الأول والثاني (البورتريه الجبهي، والبورتريه النصفي)، حيث تناول الوجه كأحد مفردات التشكيل في التصوير، والوجه مفهوم أعم وأشمل من الصورة الشخصية لكونه يشملها بما تتضمنه من تعبيرات. ** أساليب التعبير الفني للوجه الآدمي في أعمال الريس التشكيلية: التعبير هو الإفصاح عن المعاني بلغة الشكل، ولكل شكل معنى. والأشكال حينما تتجاوب بعضها مع البعض تولد معاني، هذه المعاني مرتبطة بطبيعة الأشكال من حيث انها كيانات ملموسة، يمكن أن تحس بالملمس وتدرك بالرؤية، وبذلك فالتعبير في الفن التشكيلي هو تأكيد للغة الأشكال ذاتها والغوص فيها، وتفتيتها أحيانًا دون اكتفاء بالمظهر الخارجي للتعبير بصدق عن طبيعتها وذلك بهدف فتح مجالات جديدة لتناول الوجه والخروج عن الواقع المرئي التقليدي بكيفيات مغايرة لما هو مألوف، من خلال استخدام العديد من الأساليب الأدائية التي يمكن استثمارها في صياغات تشكيلية جديدة. والمهتم بالفن التشكيلي يلاحظ تتعدد أساليب التعبير الفني وتنوعها فهناك الأسلوب الطبيعي أو الواقعي، الخيالي أو المثالي، التعبيري، التجريدي... فالأسلوب نوع من النمط الفني يتضمن مجموعًا مركبًا ومتكررًا من السمات يتصل بعضها بالبعض الآخر، ويصنف إلى ثلاثة عناصر: أولها: المادة الموضوعية التي يتناولها الفنان. وثانيها: مفهوم الفنان عن الموضوع. وثالثها: الشكل الفني الخاص بطريقة التنفيذ. والمشاهد لأعمال الريس التشكيلية يلاحظ قيامها على الأساليب التعبيرية التالية: 1- الأسلوب الطبيعي أو الواقعي: ومن خلال هذا الأسلوب سعى الفنان إلى تقليد الشكل الطبيعي تقليدًا دقيقًا، وقد اعتمد على ملاحظة وتحليل وتسجيل التفاصيل الواقعية الدقيقة للصورة الشخصية من خلال تأمل التفاصيل الواقعة في مجال الإدراك البصرى للفنان. 2- الأسلوب الخيالي أو المثالي: فمن خلال هذا الأسلوب استخدم الريس الشكل الواقعي لكي يبني عليه واقعًا مثاليًا خياليًا من تصويره للتعبير عن مشاعر السمو والحب والاحتواء، ولكون الشخصية التي يقدمها الريس لجمهور فنه صورة شخصية مميزة تحمل سمات ملكية فإنها تضيف قيمًا للعمل الفني نابعة من تلك المشاعر. ** القيم الجمالية في تجربة الريس التشكيلية: قدم الريس تجربته من خلال قناتين إبداعيتين هما الرسم التشكيلي بالأبيض والأسود، والتصوير التشكيلي الملون، وعندما نتأمل أعمال الرسم التشكيلي فإننا نلاحظها وقد احتوت على شحنات تعبيرية عالية الدراما، دقيقة في الرسم ذات إيحاء بقيمة الخط، وتعبيرية الظل، وقيمة النور المنبعث، الذي حدّد أولويات رؤية العمل الفني، وبذلك تضمنت تلك الأعمال على تباين وتناغم في آن واحد.. تباين بين الظلال والأضواء، وتناغم في تدريجات عالية الحساسية في تلك الظلال ذات الإيحاء التعبيري الدلالي. أما عن أعمال التصوير التشكيلي والتي تميزت بهارمونية لونية داخل مساحات الأشكال على حدة أو الأشكال وخلفياتها، حيث سادت مجموعات لونية تتسم بالانسجام نتيجة لتوظيف مجموعة لونية موحدة ومتناغمة في العمل الفني كمجموعات الأزرق أو البني المطعم بالأحمر والبرتقال، ولتأكيد قيمة الانسجام اللوني دمج الريس اللون الأسود المحايد إلى بعض أعماله وبخاصة التي تتميز بالدفء والمستخدم في مجموعات البني الدافئ المدمج مع الأحمر والبرتقالي لتحقيق حالة سامية من التوافق والانسجام. ومن تلك القيم التي حرص الريس على تحقيقها قيمة الوحدة الفنية، فقد حرص على تحقيق التكوين الجيد المتضمن للبنية الجيدة من خلال مجموعة العناصر والتقنيات التي صاغت في النهاية العمل الفني، وهذا إنما يؤكد وعي الفنان ومهارته العالية ودرايته بتقنيات كل من الرسم والتصوير التشكيلي. وأخيرًا دعواتي بكل الحب والصدق والوفاء إلى مليك القلوب بالخير ودوام الصحة والعافية.. عشت يا مليك الإنسانية.. وشفاك الله لوطنك ورعيتك وكل المقيمين على أرض هذا الوطن الغالي.. حفظه الله من كل مكروه. (*) أستاذ مساعد بجامعة أبها