لكلّ منا في هذه الحياة مواهبه التي حباه إياها الله جلّ وعلا. وهذه المواهب تختلف من شخص لآخر. وجزء كبير من حياتنا نمضيه ونحن نبحث وننقّب ونحاول أن نكتشف هذه المواهب. والسعيد منا من وقع عليها وأجاد استخدامها وتوظيفها فيما يعود عليه بالنفع وعلى الآخرين. والتعس منا من ضّل طريقه .. أولم يعرف كيف يفك رموز خريطته التي ترشده إلى كنز المواهب الذي بداخله. فراح يتخبّط هنا وهناك في دراسة أو وظيفة وأعمال لا تتناسب مع نقاط قوّته.. وذلك لأنه أضاع وقته وربما جزءاً غير قليل من عمره يبحث حوله ونسي أن يبحث بداخله. والحقيقة هي أنه ليس مهما ما يكمن أمامك..أو خلفك .. ولكن المهم هو ما يكمن في أعماقك.. وعملية الاكتشاف هذه قد تستغرق زمنا..وتحتاج لأدوات..أهمها الصدق مع الذات والرغبة الحقيقية في اكتشاف هذه المواهب وإبرازها. وقد يستغرق ذلك كما أسلفت زمنا..قد يكون أياماً أو شهوراً أو ربما استغرق سنوات ..لكن الثمرة الطيبة المذاق لهذا التعب تنسي الإنسان سنوات المشقة. والتقليد أحد أبرز أعداء اكتشاف المواهب.. والاستسهال هو قاتل الإبداع بلا شك.. فمعظمنا يبحث عن السهل والمتاح.. أو يركن إلى لوم الآخرين.. واتهام الظروف التي وقفت له بالمرصاد. فمعظمنا يبحث عن الوظيفة الجاهزة.. ولا يفكّر في ابتكار فرصته.. وتفجير طاقاته.. ودراسة إمكانياته وقدراته.لأننا اعتدنا أن نبحث حولنا عما ينقصنا.. ولا نبحث بداخلنا عن جوهر تميّزنا. كما اعتدنا أن نقلل من حجم انجازاتنا.. ونتطلع دوماً إلى ما في يد غيرنا ونتحسّر على حالنا. وقد أسهمت أساليب التربية غير الصحيحة، والمناهج التعليمية التي لا تهتم بالإبداع واحترام التميز في تخريج أجيال لا يعرفون كيف يبحثون عن مواهبهم التي يمكن لهم أن يتفوّقوا فيها!! ولا يعرفون كيف يجدون فرصهم ولا كيف يتوافقون مع حياتهم باستغلال إمكاناتهم . وبالتالي يصبحون أقلّ رضاء عن حياتهم حتى لو كانت ظروفهم أفضل من غيرهم ويقضون عمرهم في صراع ومعاناة لأنهم يمضون حياتهم في وظائف وأعمال أو دراسة لا تتناسب مع نقاط قوّتهم أو مجالات تفوّقهم. لذا ونحن نعيش أجواء تنادي بالإصلاح .. لا بد أن نضع أعيننا على ضرورة إجراء إصلاح أيضا في أساليب تربيتنا ومناهج تعليمنا. ومفاهيمنا .. ونظرة مجتمعنا إلى الأجيال القادمة وإلى مواهبهم وقدراتهم الحقيقية.