قبل أربعة وثمانين عامًا احتضن وادي فاطمة أول مؤتمر للأدباء السعوديين، ويومها ضم الحفل طلائع رموز الشعر السعودي المخضرمين، وفي مقدمتهم أحمد الغزاوي وابن بليهد ومن جيل الشباب السعوديين عبدالمؤمن المجلد وعمر عبدالسلام وإبراهيم الجفالي، ومن الأدباء أيضا إبراهيم الشورى والدكتور علي الشواف، كما حضر أعلام الشعر والأدب في العالم العربي إبان تلك المرحلة وفي مقدمتهم أحمد زكي باشا (شيخ العروبة) والزركلي وشوقي والمازني، وبعد ثمانية عقود ونصف سوف نحاول تحسس هذا المؤتمر والتعرف عليه باعتباره المؤتمر الأول الحقيقي للأدباء السعوديين. ما زال المترسخ لدى مؤرخي الأدب السعودي أن أول مؤتمر للأدباء السعوديين هو المنعقد في مكةالمكرمة عام من 1-5 ربيع الأول من 1394ه بقاعة المؤتمرات بحي الزاهر، وعليه درج كثير من مؤرخي الأدب السعودي، وأخذ اتجاهًا رسميًا أكاديميًا في توثيق الأدب السعودي، ولكن الثابت في هذا الشأن أن أول مؤتمر فعلي للأدباء السعوديين لم يكن في ذلك التاريخ بل في التاسع من شهر شعبان 1348ه وعقد بوادي مشرقة (تشديد القاف) في وادي فاطمة، وهذا ليس من باب التخمين، والتداعيات الافتراضية النصية بل من واقع سجلات صحافية أم القرى التي وثقت لهذا المؤتمر وقدمته تقديمًا صحافيًا ملائمًا وهي التي عايشت الحدث بكل تفاصيله ومخرجاته. بالإضافة لما أشار إليه إبراهيم المازني في (كتابه رحلة إلى الحجاز) وكان من ضمن المدعوين. تذكر الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 10 شعبان 1348ه أنه في يوم الخميس التاسع من شهر شعبان من عام 1348ه الموافق للتاسع من شهر يناير 1930 أقامت لجنة الاحتفالات بمكةالمكرمة مناسبة احتفالية جلوس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه على العرش، وقد شرفه النائب العام لجلالة الملك عبدالعزيز بالحجاز وفق ما أشارت إليه صحيفة أم القرى بعددها الصادر برقم 265 بتاريخ 10/ شعبان/ 1348ه في الصفحة رقم 3. وقد يتساءل المرء ما علاقة الاحتفالية الوطنية بمؤتمر الأدباء؟ صحيح أن الغالب العام على هذه المناسبة الجانب الوطني، ولكن عند تثقيب النظر باتجاه الاحتفالية نجد الجانب الأدبي كان حاضرًا بكل قوة خاصة من أدباء وشعراء الرعيل الأول (المخضرمين) أي الذين عايشوا المرحلة العثمانية والسعودية، بالإضافة للشباب الذين برزوا من خلال المؤسسات التعليمية الجديدة الناشئة تحت مظلة الأدب السعودي بمكة فمن أدباء الرعيل الأول السعوديين الشيخ أحمد الغزاوي وابن بليهد وإبراهيم الشورى والدكتور علي الشواف بالإضافة للشباب القادمين من مدرسة الفلاح، والمعهد السعودي وكلهم لم يلتق أبدا إلا في هذه المناسبة حيث اكتملت عناصر التجمع الأدبي وقد حرصت اللجنة المنظمة لهذه الاحتفالية أن تكون السمة المسيطرة على أجواء الوطنية سمة الأدب بشقيه المخضرم والناشئ فلم لا يكون مؤتمرًا أدبيًا إذا كان أهم هدف من أهداف المؤتمرات هو التواجه وتلاقح الأفكار الإبداعية؟ صحيح أن مصطلح المؤتمر لم يجر على ألسنة المنظمين ولا التغطية الإعلامية من قبل أم القرى إلا أننا نجد سمات المؤتمر تنشب تمامًا بكل مجريات المنشط العام للاحتفالية كإلقاء القصائد والخطب النثرية بالإضافة لحضور جهابذة الأدب العربي ومشاركتهم كالمازني وزكي باشا والأيوبي وكل هذه المقومات التي جاءت ضمن الحقبة السعودية الأدبية المبكرة جدا التي تواصلت ضمن المشروع السعودي المبكر الخاص بتثبيت عناصر الربط الأدبي والثقافي بين مناطق المملكة العربية السعودية بعد ضم الحجاز عام 1343ه. أما إلزامية شيوع مصطلح مؤتمر كشرط لتثبيت مشروعية الملتقى (المؤتمر) وإرسال الرسائل والدعوات فلم يكن شائعًا آنذاك ويكفينا مصطلح احتفالية لدعم مشروعية المؤتمر ثم إن تنظيم الاحتفالية من قبل وإشراف الأستاذ عباس قطان يرحمه الله وهو من طليعة الأدباء السعوديين ومن الإداريين المخضرمين الذين عايشوا مرحلتين سياسيتين مختلفتين على الاحتفالية يضفي مشروعية المؤتمر الأدبي بكل معانيه فما الذي ينقصه؟ كلمة التوصيات والسرد البنود القصة الرواية... وترديد كلمة مؤتمر.. هذا ليس شرطًا في تثبيت مشروعية المؤتمر لنحسبه مؤتمر أدباء ويكفينا خمسة عشر نصًا شعريًا ونثريًا نصفها تقريبًا لأدباء سعوديين. وهذا يثبت مشروعية المؤتمر، وأنه أول مؤتمر بكل أبعاده الأدبية والاجتماعية. لقد اقيمت احتفالات في ذلك التاريخ بجدة وغيرها وكانت متزامنة تمامًا مع نفس الظروف وظلت احتفالية حيث لم تشهد نشاطًا أدبيًا ولم يتواصل الأدباء ولهذا لم ترق لمستوى احتفالية وادي فاطمة ولم يحضرها هذا العدد من الأدباء والشعراء واتسمت بطابع المناسبة. ولكن عباس قطان بفكره الثاقب ودرايته بقيمة الأدب يرحمه الله استطاع الجمع بين المناسبتين وقد نجح في تحويل المناسبة إلى مؤتمر أدبي واستثمر كل المقومات المتاحة آنذاك لجعله مؤتمرًا أدبيًا مع استمرارية المناسبة الوطنية.