شركة أرامكو أقدم وأكبر وأنجح شركة في المملكة العربية السعودية، وتحتل موقعًا متميزًا في الريادة عالميًّا في مجال تخصصها وهو التنقيب، واستخراج، وتسويق، وتطوير صناعة البترول. ولذلك أصبحت المملكة أكبر مصدر للبترول في العالم، ويجب أن تبقى كذلك -بإذن الله تعالى- وبجهود القائمين على الصناعة من أبناء الوطن. والتقاليد المهنية التي رسخت في شركة أرامكو، وتعوّد عليها موظفوها من الأجانب في البداية، والسعوديون على مر السنين مصدرها الاستقلالية والانضباط والعوائد المنصفة للموظفين مثل: العلاج، والإجازات، وقروض السكن، ونظام الادّخار، وغيرها من المميزات التي لا توجد في الشركات الأخرى. وعلينا أن نتذكر أن الموظف السعودي لم ينل حقّه في تلك الشركة بسهولة، عندما كانت الشركات الأجنبية تملك الشركة وتديرها وتبتز البلد عن طريق التحكم في الأسعار والإنتاج وغير ذلك، ولكن الاحتجاجات والمطالبات العمالية في الستينيات أدّت إلى نيل العمال حقوقهم، وبعد ذلك أصبحت الملكية وطنية بالكامل، واستمرت الاستقلالية، واستمرت التقاليد الإدارية المكتسبة. وبعد أن أصبحت القيادات العليا في أيدي مواطنين سعوديين من أبناء الشركة الذين تدربوا من خلال برامج دقيقة على الانضباط والتفاني في العمل، وفق معايير مهنية عالية، استمر العمل بنفس الأسلوب، وبنفس العقلية المنهجية التي رسخت في إدارة الشركة. وكما يعلم الجميع بأن معالي وزير البترول الحالي يفاخر بأنه بدأ حياته العملية مراسل بريد، وأصبح رئيسًا لأكبر شركة بترول في العالم، ثم وزيرًا لأكبر بلد مصدر للنفط. وغيره من النواب والتنفيذيين، عاشوا نفس التجربة، حتى أصبحوا رموزًا بارزة في إدارة صناعة البترول. فأرامكو كانت ومازالت تأخذ الخامة، وتطورها حتى تصبح مفيدة لنفسها وللشركة وللوطن، وتحافظ عليها، بخلاف الممارسات في الشركات الأخرى. وانطلاقًا من مبدأ إن النجاح يقود إلى نجاحات أخرى، تردد في الآونة الأخيرة المناداة بالاستعانة بأرامكو في تنفيذ بعض المشاريع البعيدة عن تخصص الشركة. وهذا اعتراف صريح بأن هناك منهجية ناجحة يجب الاستفادة منها لصالح الوطن والمواطن، ولكن هل هذا هو الطريق الصحيح لإصلاح الممارسات الإدارية في المرافق الأخرى؟ في اعتقادي أن التخصص أمر ضروري، وأن الاعتماد على شركة، أو مؤسسة واحدة في البلد أمر يحتاج إلى نظر، وإلاّ بقي التميز الإداري والنجاح المشهود محصورًا في جهة معينة دون أن نبحث عن أسباب النجاح ونعممها لتوزيع العبء، وتمكين الاختصاصات الأخرى من الرفع من مستوى أدائها، مستفيدين من تجارب النجاح الأخرى بدون أن نؤثر على عمليات الشركات الناجحة في تخصص معين مثل شركة أرامكو. والنموذج الأخر الذي تميز بالنجاح، «سابك» العملاق الصناعي على مستوى العالم -وصيفة أرامكو إن صح التعبير- التي استفادت عند تأسيسها من تجارب أرامكو ونقلت الكثير من ممارساتها إلى ميدان الصناعات البتروكيميائية. وإذا كان النجاح في أرامكو وسابك محل اعتزاز للشركتين ومنسوبيها، وللوطن بصفة عامة، فلماذا لا تنجح الخطوط السعودية مثلاً! وشركة الكهرباء، والموانئ، والمطارات، والصحة، والتعليم بنفس المستوى الذي وصلت إليه أرامكو وسابك؟! إن الأسباب الجوهرية التي تميز سابك وأرامكو هي الاستقلالية في الإدارة، وبرامج التدريب، ومنهجية الانضباط، التي يتعلمها الملتحق بتلك الشركات من اليوم الأول، ومستوى الرواتب، والعلاج، ونظام التقاعد، والعوائد والمحفزات التي لا توجد في المرافق الأخرى التي تعاني بعضها من سوء الإدارة. ولعلنا ندرك أننا نتحدث أيضًا عن إدارات تنفيذية بأيدي كفاءات سعودية مماثلة إلى حد كبير لما هو موجود في أرامكو وسابك. وأختم بالقول إن أرامكو ناجحة في أهم الصناعات البترولية، والبتروكيميائية في العالم، ومن أهم مصادر الدخل القومي في المملكة، فهل نتركها تركز على مجال اختصاصها، ونقول للمتعثرين في المرافق الأخرى تعلّموا من تجارب النجاح، وإلاّ فلستم أهلاً للمواقع التي تحتلونها.. والله من وراء القصد.