خلق الله المخلوقات من إنس وجن وحيوان وطير ونبات وأرضين وسموات وغيرها، وأودع فيها بعض أسراره وحِكَمه؛ ليستدل بها المخلوق على عظمة وقدرة الخالق. ومن هذه المخلوقاتِ العظيمةِ (الإِبِلُ) التي قال عنها سبحانه وتعالى:»أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقت». وعلى هذا كان حريًّا بنا أن نتدبر هذه الآية لمعرفة ما خفي علينا من هذا المخلوق العجيب. لكننا -وللأسف- وظفنا هذا المخلوق توظيفًا مغايرًا لطبيعته الأصلية المتمثلة في الانتفاع بلبنه ولحمه وركوبه والتفكر في طبيعته وخِلقته التي حثت عليها الآية السابقة. لقد أضحت الإبل حديث الناس ولكن ليس لعظمة خلقها ولا لما استُودعت من أسرار وفوائد ولا لتركيبها الفسيولوجي، بل (لجمالها الفاتن) الذي تكاثرت عليه المسميات ما بين (مزايين ومغاتير ومجاهيم..إلخ)، فأُقِيمت لها المسابقات، وأُنفِقت لشفاهها المشقوقة وأعناقها الممشوقة الملايين من الريالات، وأُقيمت لها أسواق العرب؛ فغلا ثمنها، وحظي الوجهاء بصحبتها، ولم يبقَ للعلماء والأطباء والمهندسين والمفكرين والمبدعين إلا أن يعضوا أصابع الندم على ضياع أعمارهم في مِهَن غير ربحية مقارنة بالعائد المادي لناقة حسناء ذات حَسَب ونَسب! ولأن لكل زمان مضى آية، فإن آية هذا الزمان الإبل وإن لم تكن حادثة كونها قديمة قِدم الزمان، إلا أن هذه الآية تجددت بطريقة أو بأخرى حتى صح لنا أن نستعير مقولة «الزمن زمن الرواية» فنقول «الزمن زمن الناقة». وعلى الرغم من هذه الانتكاسة في المفاهيم التي حوَّلت الغاية من اقتناء الإبل إلى غير المقصود منها، يأتي تصحيح تلك المفاهيم المغلوطة على يد (المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا) التي وبحسب رئيسها الدكتور عبدالله النجار توصلت إلى تحقيق سبق علمي عالمي يتمثل في (علاج لمرض السرطان) من خلال استخدام الجهاز المناعي للجمال. وأضاف الدكتور النجار –حسب ما وردني على بريدي الإلكتروني من الصديق عبدالرحمن حمياني- وتناقلته وسائل الإعلام، إن العمل في هذا البحث بدأ «منذ عام (2008) وبعد مرور (3) سنوات تم التوصل إلى نتائج مبهرة،لم تحدث على المستوى العالمي. مشيرًا إلى أن الفريق البحثي -وفق الإجراءات العلمية- تأكدت نتائج بحثه الفعال، بعد اختبار الدواء على فئران التجارب المختبرية، وثبت نجاح الدواء المستخلص من بول وحليب الإبل. ولم يتبق إلا اختبار العلاج الجديد المستمد من الجهاز المناعي للجمال على الإنسان. مُوْضِحًا أن الاختبارات المعملية على النوق بدأت في جامعة الشارقة بالإمارات، واستُكملت في معهد السرطان في بغداد بالعراق. والعلاج الجديد تم تسجيله عالميًّا في مكتب براءات الاختراع البريطاني، برقم (1003198،7) في فبراير الماضي، لعلاج مرض السرطان». من جهته قال الدكتور صباح جاسم رئيس الفريق البحثي بالشركة العربية للتقنية الحيوية ((ABC المتعاونة مع المؤسسة العربية للقيام بهذا الإنجاز «إن التجارب التي أجريت على أكثر من (100) فأر مجهزة لهذا الغرض أثبتت نجاحها، بنسبة(100%). وتمثلت هذه التجارب، في قيام الفريق البحثي بحقن الفئران بخلايا سرطانية إنسانية، مما أدى إلى ظهور أعراض مرض السرطان عليها خلال فترة تراوحت ما بين (4–6) أسابيع. ثُم تَم تقسيم هذه الفئران إلى مجموعات، منها مجموعة فئران نُقلت إليها الخلايا السرطانية، ولم تُعالج بالمادة المطورة من حليب الإبل، فماتت، ومجموعة فئران نقلت إليها الخلايا السرطانية الإنسانية عولجت بمادة عامة، هذه المجموعة من الفئران امتد عمرها لبعض الوقت لكنها ماتت هي الأخرى. أما المجموعة الأخيرة التي نُقلت إليها الخلايا السرطانية الإنسانية وتم حقنها بالمادة العلاجية المطورة، فقد شفيت تمامًا، بعد حقنها لمدة يومين متتاليين فقط، وفق جرعة محددة. ورغم مرور (6) شهور كاملة، لا تزال هذه الفئران على قيد الحياة، وسلوكياتها عادية تمامًا شأن الفئران السليمة. ووجدنا أن هذه المادة المطورة تحمل خلايا ذكية، قادرة على مهاجمة المادة السمَّية في الخلايا السرطانية، دون أن يكون لها أي مضاعفات أو آثار جانبية». مأساة أن تُصرف ملايين الريالات للمفاخرة بالإبل وتوظيفها لغاية غير التي خُلِقت لأجلها أو لشراء أندية أوروبية أو لتقديم هدية لعريس أجنبي، وتُترك مثل هذه الأبحاث العلمية الرائعة، وتُغفَل مثل هذه العقول المبدعة! ويبقى الأمل معقودًا على الحكومات العربية لزيادة حجم الإنفاق على هذه الأبحاث، وهي دعوة لتأسيس صندوق من قِبل المؤسسات الخيرية ورجال الأعمال لدعمها.