تغيب من ذاكرة الإنسان أحيانًا أشياء واضحة المعالم وأحيانًا غائبة الهوية والمكان فيصعب عليك معرفتها إلا بالسؤال عنها، وأحيانًا تغفل عن السؤال أو تنسى إجابة إذا مر عليها حين من الدهر، ورغم قراءتي ومحاولة تثقيف نفسي في الفنون العربية والتراثية، إلا أنني لا أخلو من السهو ولكنه قليل وهذه ليست حجّة لأن يبرر الإنسان لنفسه السهو أو حجب المعلومة بغير قصد. والشاعر الكبير يحيى عمر لا يعرفه جيل الألفية أو من سبق الألفية وأقصد من عامة الناس كما ذكر الأستاذ عمار باطويل ولم يعرفه هذا الجيل إلا من أداء أهل الطرب لكلماته، وأعتقد بالتأكيد أن الشاعر اليافعي يحيى عمر لا يحتاج إلى تعريف، ربما لأن أغلب أغنياته تحمل اسمه، وهو من أجمل الشعراء الذين تحدثت عنهم قصائدهم قبل اسمائهم، وهذا ما حدث معي، تشدّني الألوان الحضرمية الغنائية وتجذبني ايضًا ألوانهم الشعرية وبالذات هذا الشاعر الذي يضئ الكلمات بالإضافة إلى الشاعر المحضار، ومنذ كنا صغارًا نسمع “يحيى عمر قال أمانة يا هنود” وقد أدّاها من السعودية الراحل عبدالله محمد والفنانة توحة وغيرهم، بالإضافة إلى أغنيات كثيرة تحمل اسم هذا الشاعر الفذ. وكنت في حيرة من يحيى عمر هذا الذي أشغلني ومعجبًا بكلماته وبصوره الرائعة وهل هو اسم مستعار يرد في الأغنيةأم هو الشاعر نفسه، وذات يوم سألت رجلًا خبيرًا من حضرموت ولكنه ليس شاعرًا بل متذوقًا للشعر والفن فأجاب بنفس إجابة أخينا الكاتب عمار باطويل ثم اضاف أن يحيى عمر كتب “يحيى عمر قال أمانة يا هنود” عندما هاجر إلى الهند وكانت هذه الأغنية سبب الفضول وسؤالي عن الشاعر المجهول بالنسبة لي، ومرت الأيام والسنوات وقبل أسابيع تذكرت صوت طلال مدّاح -يرحمه الله- وهذه الرائعة التي شدا بها: “يحيى عمر قال ما شأن المليح” وإعجابي بهذا الشاعر الجميل، إلا أن الحيرة عاودتني من جديد مثلما مرت بي عند “أمانة يا هنود” لكي لم أنسب الكلمات لشاعر معين، وداهمني النسيان وتساءلت من هو هذا الرائع يحيى عمر كما كتبت في المقال لعل وعسى من يأتي لي بمعلومة عن هذا الشاعر بعد أن نسيت إفادة الرجل قبل مدة طويلة عن “يحيى عمر قال أمانة يا هنود”، لكن هذه المرة هب لنجدتي الكاتب اليمني عمار باطويل الذي جاء موضحًا ما هو جميل وأعاد لي المعلومة المفقودة منذ سنوات من جديد، وليس هذا فحسب بل اشجانا بفواصل من أشعر هذا المبدع في الصور والكلام ومنها “يحيى عمر قال في البندر سكن ودي” وقد أهدى إلينا الصواب وشيئًا من تاريخ هذا الشاعر. كما أن الباحث محمد العرفج أوضح الكثير عن الفنون في اليمن وحضرموت وموثقة بالتواريخ بطريقة الباحث ولكنه صحّح أو أورد بعيدًا عما كتبنا أنا وباطويل (لما لما يا حبيبي ذا الجفا) وقد أوردها (لمه لمه) وربما هذا صحيح بلهجة أهل المحافظة أو المكان الذي كان يقيم فيه الشاعر، وبما أن المعنى واحد، فقد غناها كثير بلما وبلمه، كل حسب منطقته، والأقرب إلى هناك اللهجة الدارجة (لمه). كل الشكر للكاتبين فقد أثريتما معلومات القارئ.