* في نهاية السبعينيات الميلادية كنت حديث عهد بالحياة في بريطانيا وجمعتني الدراسة في إحدى كليات مدينة أدنبرة بعدد من الطلاب العرب والمسلمين، ورفع صوته أحدهم في حماس قائلاً: Revalution، أي ثورة – ويعني بذلك ما جرى في بلاده، وفي رد موجز مع ابتسامة بريطانية صفراء ردت المدرسة عليه، إن مفهوم الثورة عندنا هو أن نذهب لصندوق الاقتراع فنسقط في هدوء من لا يصلح ليحل محله من يصلح، وكان الشعب البريطاني في تلك الأيام اختار مارجريت تاتشر المحافظة بديلاً عن جيمس كالاهان العمالي. * بعد عدة شهور قصدت لندن وكان اليوم يوم جمعة فذهبت لأداء الصلاة في مسجد ريجنت بارك وبعد انقضاء الصلاة شاهدت وعند مدخل المسجد رجلاً مضرجاً بدمائه وعلى بعد أمتار منه تقف امرأة تنتحب وبجانبها طفلة صغيرة تلتحم مع والدتها خوفاً من المنظر الدموي البشع وكان البوليس البريطاني يمسك برجلين يرتعشان خوفاً وعلمت فيما بعد أنهما هما من أطلق الرصاص على الشخص الذي خرج – للتو – من المسجد، وسألت أحدهم عن الضحية فقيل إنه مصطفى رمضان، من أصل ليبي، ويعمل لصالح إذاعة «بي. بي. سي» البريطانية، ومن يومها لم أعبأ بما كان بعض الأخوة يرددون من عبارات الثناء والتهليل لشخصية الزعيم الليبي معمر القذافي. * وفي عام 1984م نقل التلفزيون البريطاني مشهداً مأساوياً فلقد خرجت مظاهرة سلمية أمام السفارة الليبية وكانت شرطية إنجليزية تدعى «إيفون فلتشر» Yvnne Flicher واقفة لتنظيم المظاهرة، فانطلقت رصاصة من مبنى السفارة لتصيبها في مقتل، وكنا – آنذاك – نشعر بالخزي والعار. * وجاء عام 1985م محملاً بحوادث مرعبة فلقد استهدف في مدينة مانشستر مبنى يسكنه الطلاب الليبيون، ومجموعة أخرى من الطلاب العرب وسمعت الطلاب في المدينة الإنجليزية التي تحتضن واحدة من أعرق الجامعات البريطانية، يتحدثون أن طالباً ليبياً وجد مشنوقاً في غرفته فلقد تتبعه نظام العقيد لمجرد عبارات كان يقارن فيها بين نظام الملك الإدريسي السابق وما حل بالبلد العربي بعد ثورة الفاتح عام 1969م. وأنفق القذافي مبالغ طائلة لتمويل الجيش الجمهوري الإيرلندي: IRA المصنف بريطانياً على أنه حزب محظور، ثم جاءت حادثة تحطيم الطائرة Pan-Am فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية والتي ذهب ضحيتها حوالى 270 شخصاً، وعندما حاول العقيد استرضاء الغرب بكل السبل بعد غزو العراق – غدر بأصحابه الإيرلنديين وأفشى أسرارهم عند السلطات البريطانية، ودفع أموالاً طائلة لضحايا الطائرة معترفاً ضمناً بمسؤولية نظامه الدموي عنها، كما عقد صفقة كبيرة مع الإنجليز في عهد حكومة بلير سنة 2009م في سبيل الإفراج عن عبدالباسط المقرحي. * تلك عقلية الأمية السياسية والمرتبطة بمفاهيم الثورة البالية التي جنت على البلد العربي الذي عانى من نظامه الدموي لمدة تزيد عن أربعين عاماً ولكن نصر الله قريب.