انتقد الأمير عبدالله بن سعود ضعف التمويل الحكومي لقطاع السياحة، معتبرًا أن هذا التقاعس في دعم المشاريع السياحية قد فوّت على المملكة فرصة الاستفادة منه في توظيف الشباب، والعائد المادي الكبير منه، وأكد الأمير عبد الله بن سعود المستثمر في قطاع السياحة ورئيس اللجنة السياحية في الغرفة التجارية بجدة أن غياب التمويل الحكومي أعطى بعض المستثمرين في قطاع السياحة الفرصة لزيادة الأسعار، والسيطرة على هذا القطاع بصورة احتكارية، مبينًا أن كثيرًا من المواقع الأثرية تفتقر إلى أدنى وأبسط الخدمات التحتية والبنيات الضرورية مثل الماء والكهرباء، ونوه إلى أن هذا الدور ليس من مسؤولية المستثمرين، وإنما يقع بالكامل على الجهات المسؤولة عنها.. وفي ردوده على أسئلتنا سمو الأمير إلى ضعف دور هيئة السياحة والآثار، مبينًا أن دورها تنسيقي فقط، وليست لها أزرع تنفيذية، خاصة في المهرجانات السياحية التي تقام في بعض مناطق المملكة صيفًا، مؤكدًا أن «اللاعب الرئيسي» في هذه المهرجانات هم أمراء المناطق، لافتًا إلى أن عددًا من المسؤولين عن هذه المهرجانات يقومون بصرف نصف الميزانية المقررة للمهرجان في حفل الافتتاح إرضاء للمسؤول الذي يشرّف حفل الافتتاح عادة، منفقين على بقية الفعاليات قليلاً من المال بما يظهرها بهذا المظهر الباهت.. ولم تقف انتقادات الأمير عبدالله بن سعود عند حد ضعف التمويل، بل تعدت إلى كورنيش جدة واصفًا الكورنيش الشمالي بمجرد «رصيف المشاة» الذي يفتقر للخدمات، مؤكدًا أنه بحالته الراهنة غير مهيّأ لاستقبال العائلات، العديد من المحاور حول قضايا السياحة وسبل الاستثمار الأمثل فيها في ثنايا هذا الحوار مع الأمير عبدالله بن سعود المستثمر في القطاع السياحي ورئيس لجنة السياحة في الغرفة التجارية بجدة. * دعيتم في الفترة الأخيرة إلى إنشاء صندوق للتمويل السياحي.. إلى ماذا تهدفون من وراء إنشاء هذا الصندوق؟ أغلب المستثمرين في قطاع السياحة دعوا إلى إنشاء صندوق مماثل للمخصّص للزراعة والصناعة للقطاع السياحي، وهذا بلا شك تأخّر كثيرًا. هذا التأخّر ساهم في تراكم عدد كبير من السلبيات التي نجدها الآن في قطاع الاستثمار وتوظيف الشباب السعودي. وكما هو معروف فإنّ قطاع السياحة على مستوى العالم من أكثر القطاعات التي تساهم في توفير الوظائف وتوطين رؤوس الأموال، لكن للأسف الشديد ولسبب غير واضح للمستثمرين لم يتم حتى الآن إنشاء صندوق لتمويل المشاريع السياحية على أرض الواقع، فكل ما نشاهده هو مجرد تصريحات صحفية من المسؤولين في هيئة السياحة أو المسؤولين في مجلس الشورى مع أن الأمر كان ينبغي أن يكون قد تحقق على أرض الواقع منذ عدة سنوات خلت. خوف رجال الأعمال * هل لمستم أي انصراف من كبار رجال الأعمال من الاتجاه إلى قطاع السياحة؟ أي نشاط جديد على رجال الأعمال والمجتمع يحتاج لأن يتم تحفيزه. أتوقع أن قطاع السياحة وهو قطاع موسمي يعتمد على فترات معينة، وكثير من رجال الأعمال يرون أنه قطاع يعمل لمدة تتراوح بين 100 – 120 يومًا في السنة، بقية الفترة لا يكون فيها نشاط. هذا تسبب في تخويف عدد كبير من رجال الأعمال وصرفهم من الاستثمار في هذا المجال. لكني كمستثمر في المجال السياحي أؤكد أن هذا الأمر بدأ يتغير في الوقت الراهن، وبدأت السياحة تنتعش وتعطي مردودًا جيدًا على مدار العام؛ لكن نظرًا لعدم وجود تمويل من قبل صناديق حكومية أدى إلى تفرد عدد محدود من الشركات والأفراد للسيطرة على سوق الاستثمار السياحي، بالتالي أدى ذلك لارتفاع الأسعار. كما هو معروف فإن الطلب إذا كان أكبر من العرض فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وهذا هو الواقع الحالي لدينا؛ لكن إذا ارتفع العرض فإن ذلك يؤدي إلى إيجاد بيئة تنافسية وتحسين الخدمات وانخفاض الأسعار. ما هو موجود في المملكة بصورة عامة هو أن العرض أقل من الطلب وهذا أدى إلى ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات. المتضرر هنا هو المواطن والزائر. نرجو أن نجد على أرض الواقع قريبًا بإذن الله وجود صناديق تمويل للمشاريع السياحية حتى تستطيع جميع مناطق المملكة أن تبرز إمكاناتها الطبيعية. * تحدثت عن الخدمة ولكن هناك من يشتكي من ارتفاع الأسعار وسوء الخدمة في كثير من مناطقنا السياحية؟ هناك عدد من المستثمرين ونسبة لتفردهم وعدم وجود منافسة حقيقية لهم يقومون برفع أسعار المواسم عن أسعار بقية العام بصورة غير مقبولة، وهذه التصرفات تعود بمردود سلبي على السياحة الداخلية. أحمِّل الجهات الرسمية المسؤولية في المقام الأول. ما الذي أدى إلى سيطرة عدد محدود من رجال الأعمال على القطاع السياحي؟ السبب بدون شك هو عدم وجود التسهيلات المطلوبة والتمويل الضروري مما جعل الأسماء القديمة المعروفة في المجتمع منذ عشرات السنين تستأثر بسوق السياحة في الوقت الحالي. لا توجد دماء جديدة وأفكار جديدة والسبب هو المعوقات وعلى رأسها غياب التمويل. إدارة بدائية * هناك من يتهم المستثمرين في مجال السياحة بافتقادهم للخبرة الكافية بمفهوم السياحة وذلك بسبب عدم وجود تجربة تراكمية لهم في هذا المجال.. كيف ترون هذا الاتهام؟ من حسنات التعامل مع الشركات الدولية حينما كان موضوع الشراكات السياحية مفعَّلاً أن الشركات الوطنية اكتسبت خبرات جيدة من الشركات الدولية وهذا هو المطلوب، وهو الاستعانة بشركات دولية متخصصة في مجال الإدارة والتشغيل السياحي والتسويق السياحي. ما نشاهده الآن هو أن هناك مشاريع سياحية في المملكة تتجاوز قيمتها مئات الملايين ومع ذلك وللأسف الشديد تتم إدارتها بصورة بدائية وغير محترفة مما يؤدي إلى سوء خدماتها وبالتالي تدني أرباحها. المفترض علينا كمستثمرين أن نستعين بالخبرات وأن ننطلق من حيث انتهى الآخرون. الذي نشاهده الآن هو أن أغلب الشركات المحلية تقوم بتأليف منتجات محلية وتأليف نظام إدارة وتشغيل محلي وهذا بلا شك يعود بأشياء سلبية. لكن لو تمت الاستعانة بشركات متخصصة وخبرات كبيرة. إذا حدث مثل ما نجده في عدد من دول الخليج المجاورة أو ما يتم في منطقة سيناء بجمهورية مصر التي تعتبر من أكبر المواقع الجاذبة للاستثمار السياحي الأجنبية، حيث توجد منتجعات على أعلى مستوى وإدارة على أعلى مستوى والسبب هو وجود خبرات متراكمة. تقصير الجهات الرسمية * لماذا برأيك لا يتجه المستثمرون السعوديون للمناطق ذات البعد التاريخي والآثار بغرض فتح منافذ جديدة للسياحة وتفعيلها؟ هذه المواقع ثروة ينبغي أن يتم استغلالها، وكل يوم يمر بدون استغلالها هو خسارة على الاقتصاد والوطن، لكن ينبغي أن نعي أن المستثمر ليس مطلوبًا منه أن يتبنى إنشاء البنيات التحتية؛ فهذه مسؤولية الجهات الرسمية ومسؤولية الدولة. هناك تقصير من الجهات الرسمية في تأسيس البنية التحتية. إذا أردت من المستثمر أن يذهب لمناطق الآثار ينبغي أن يكون الطريق لها مهيّأ. يجب أن تكون هناك مياه صالحة للشرب وكهرباء وخلافه. إذا أتيت لصحراء قاحلة وطلبت من المستثمر أن ينفق على إنشاء البنية التحتية، إضافة إلى ما ينفقه على استثماره فهذه تكون سياسة عقيمة وهذا هو الموجود الآن للأسف الشديد. لا توجد بنية خدمات تحتية في المواقع التراثية. حتى الشواطئ الجميلة الموجودة لدينا على البحر الأحمر وهي مواقع ليس لها مثيل على مستوى العالم، ورغم ذلك لا توجد فيها كهرباء ولا طرق ممهدة ولا مياه شرب، فكيف يطلب من المستثمرين أن يذهبوا إليها لقيموا عليها مشاريعهم! تنسيق مفقود * هل يوجد تنسيق بينكم كمستثمرين سياحيين وبين الجهات الحكومية المسؤولة لحل هذه المشكلات؟ للأسف الشديد لا نعلم مع من نتناقش. لا يوجد أمام المستثمر جهة تملك الصلاحية الخاصة بحل مشكلات القطاع السياحي، وكما هو معلوم فإن هيئة السياحة حاليًا لا تملك صلاحيات تنفيذية مثل الجهات الرسمية الأخرى مثل النقل والكهرباء والمياه وهي تعتبر فقط جهة تنسيقية وهذا بلا شك يضعف الدور التنسيقي لها. الإشكال الموجود أنه لا يوجد تنسيق بين الجهات المعنية لإبراز المواقع السياحية، كما لا يوجد اهتمام في الجهات الرسمية. ربما تجد اهتمامًا كبيرًا لدى هيئة السياحة ويكون اهتمام شركة الكهرباء مثلاً بدرجة أقل. أو لدى مصلحة المياه. نظرًا لتشتت الجهات المعنية بالخدمات والأولويات المختلفة فإن هذا أدى إلى قصور في مواقع الخدمات. مجتمع واعي * من واقع تجربتكم.. هل هناك تقبّل للنشاط السياحي والآثار في مجتمعنا وخاصة وأن السياحة قطاع لا زال وليدًا؟ المجتمع السعودي متطلّع لكلّ جديد، وهو مجتمع مثقف وواعي ولديه مبادئ وثقافة عريقة يتمسك بها وهي لا تتعارض مع مبادئ السياحة لأنها نمط حياة وشيء لا يستطيع الإنسان أن يفصله عن برنامجه اليومي. لذلك أرى أنه لا توجد أي معوقات مجتمعية تحد من نمو السياحة. جميع الذين يتذمرون من سوء الخدمات السياحية ونقصها ونقص الاستثمار هم المواطنون. أؤكد أيضًا أن أكبر مستثمر عربي على مستوى الشرق الأوسط هو المستثمر السعودي. أكثر المستثمرين الذين يملكون عددًا كبيرًا من المواقع السياحية على مستوى العالم كعرب هم السعوديون أيضًا. أكثر الشعوب إنفاقًا على السياحة على مستوى الشرق الأوسط هم السعوديون. هذه كلها مؤشرات على أن المجتمع السعودي داعم للسياحة. * ولكن هذا المجتمع وقف في فترة من الفترات ضد الآثار وعارض الدعوات الرامية للاعتناء بها وأزيلت كثيرا من الآثار التاريخية ؟ أرى أن هذه المسألة خلافية بين طلبة العلم، وأتوقع أن الذين لهم تحفظ على الآثار والذهاب لها وزيارتها هم مجموعة من طلبة العلم، والاختلاف في ديننا واقع وموجود ومسنون، وهو رحمة من الله عزّ وجلّ؛ ولكن لا ينبغي أن يؤخذ كلام أي شخص أو شخصين ويتم تعميمه على المجتمع ككل. هناك آراء من طلبة آخرين لا يرون أن هناك مانع من زيارة الآثار والاستثمار فيها. هذا يعني أن القضية خلافية مما يعني أن هناك سعة وانفتاح. لهذا السبب لا ينبغي أن يؤخذ رأي مجموعة محددة ويتم تعميمه على الجميع. أي رأي تطرحه مجموعة ما يجد التقدير، ولكن بالمقابل هناك أيضًا رأي آخر يخالف هذا الرأي. إرضاء المسؤول * هناك مأخذ على مهرجانات السياحة المحلية لأنها تبحث عن المسؤول فقط، وحيثما يكون المسؤول يكون الاحتفال وليست هناك نظرة لأماكن وجود السياح الذين هم الثروة الحقيقية.. فماذا ترون؟ أنا من الذين ساهموا في تنظيم عدد من المهرجانات، وللأسف الشديد فإن بعض القائمين على هذه المهرجانات يجعل نصب عينيه إرضاء المسؤول الذي يقام على شرفه المهرجان. لذلك تجد أن أكثر من نصف ميزانية المهرجان مركزة على حفل الافتتاح الذي يحضره المسؤول ولا تعطى الفعاليات التي تقام لأجل الجمهور والتي تسعده إلا أقل القليل وهذا ما جعل أن هناك مبالغات كبيرة في حفلات افتتاح المهرجانات على مستوى المملكة مع وجود فعاليات ضعيفة جدًّا تتعلق بالزوار والسياح. أتوقع أن هذا دور منوط بأمراء المناطق بأن يوجهوا منظمي الرحلات في مناطقهم بأن تكون ميزانية المهرجان لإسعاد الناس والترويج للمناطق وإبراز مقوماتها للزائر والمقيم. هذا للأسف لا نشاهده إلا في نطاق ضيق وأتوقع أن اهتمام أمراء المناطق بهذا الجانب كفيل بمعالجة هذه السلبيات واجتثاثها لأن اللجان الموجودة في جميع مناطق المملكة مرتبطة بأمارات المناطق ودور أمارات المناطق مهتم جدًّا في توجيه اللجان السياحية وتنشيطها. لدينا كذلك فرص كبيرة مهدرة في مناسبات خاصة بعطلات نهاية الأسبوع فلماذا لا تكون هناك مناطق في كل أنحاء المملكة مخصصة للفعاليات والاحتفالات في نهاية الأسبوع. يمكن فتح هذا المجال أمام المستثمرين وهم على أتم استعداد. فعاليات ضعيفة * يقال إنكم كمستثمرين في مجال السياحة تحاولون برفع الأسعار إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات؛ طبقة عليا قادرة على أن تحظى بهذه البرامج في حين تكون الأغلبية العامة من المجتمع غير قادرة على الاستمتاع بهذه البرامج بسبب عدم قدرتهم المادية؟ مشاهدة الفعاليات تكون عادة مجانًا وبدون مقابل؛ لكن الخدمات التي تكون بواسطة المستثمرين، فهذه بطبيعة الحال تكون برسوم. لكننا الآن نطلب أن تكون هناك فعاليات مجانية في الشوارع والشواطئ العامة وفي نهاية الأسبوع وإجازات المدارس والصيف، على أن تكون مجدولة ومحاسبة اللجان القائمة عليها حسابًا عسيرًا في حال عدم تنفيذها. لكن الذي نشاهده الآن بكل صراحة هو أن الاهتمام الرسمي تجاه إبراز هذه الفعاليات وتنشيطها ومحاسبة القائمين عليها لا زال ضعيفًا سواء من أمارات المناطق أو الهيئة العامة للسياحة. العملية أصبحت روتينية وهناك فعاليات يعلن عنها في الصحف والنشرات ولكن على أرض الواقع تجد أنها للأسف لا تليق باسم أي منطقة من مناطق المملكة ولا تليق بالمملكة العربية السعودية كدولة متقدمة في جميع المجالات... * ما هو دوركم كرئيس للجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية.. أليس من المفترض أن يكون لكم إسهام لتصحيح الوضع؟ إذا كانت هيئة السياحة وهي جهاز رسمي ما زال دورها استشاريًا وليس تنفيذيًا فما بالك باللجان ذات الدور التطوعي. * هل أفهم من حديثك أن هيئة السياحة ليس لها دور حقيقي بارز؟ في ما يخص الفعاليات فإن دورها للأسف الشديد ليست لاعبًا رئيسيًا. اللاعب الرئيس * ما هو دورها إذًا.. وما المفروض أن تقوم به؟ هيئة السياحة ليست ذات دور رئيسي في الفعاليات. اللاعب الرئيس هم أمراء المناطق. الهيئة ليست لاعبًا أساسيًا وهذا الذي دعانا للمطالبة بأن تكون هناك وزارة للسياحة ذات صلاحيات تنفيذية. وجود الهيئة بعد مضي 10 سنوات على تأسيسها ولا زال دورها استشاريًا وتنسيقيًا جعل الإنجازات محدودة حتى اليوم وليس مقنعًا سواء للمستثمر أو المواطن والمقيم في المملكة. إذا نظرنا إلى الثقافة الموجودة لدى أمارات المناطق نجد أن هناك أمارات متميزة في الفعاليات السياحية منها أمارات الرياض وجازان وحائل، هذه استطاعت أن تضع أقدامها على الخارطة وتثبت كل سنة جدارتها وتكون لها فعاليات متراكمة في كل المجالات. تعاون مفقود * ذكرت ازدهار فعاليات الرياض في حين أن الكثيرين يرون أن تفعيل الأنشطة السياحية بسبب نشاط الأمانة.. كيف ترى دور الأمانة بالنسبة لكم في مدينة جدة؟ حتى اللحظة أرى أن تفاعل جميع القطاعات الرسمية في جدة مع السياحة لا زال محدودًا جدًّا وليس الأمانة فقط. لا يوجد دعم حقيقي على أرض الواقع. لا أخفيك القول إن أغلب الفعاليات التي تمت في جدة حتى الآن هي عبارة عن مبادرات فردية قائمة بواسطة عدد من المستثمرين أو رجال الأعمال بصورة فردية. ولكن هل توجد هناك مظلة رسمية لهذه الفعاليات حتى تتطور ويكون هناك إلزام ليقام مهرجان متميز. جدة ينبغي ويفترض أن تكون هي عاصمة السياحة في المملكة وأن تكون هي العاصمة الاقتصادية للمملكة، ولكن للأسف الشديد لم تتم الاستفادة من إمكانات جدة بالشكل الأمثل وهذا بسبب عدم تعاون الجهات الرسمية والحرص على العمل كفريق واحد. * نسمع كثيرًا عن جدة عاصمة السياحة وجدة عاصمة اقتصادية.. لم نجد ذلك قبل كارثة السيول فكيف سيكون الحال بعدها، لاسيما أن كثيرًا من السكان قد يهجرها. وما هي أضرار الكارثة في العامين المتتالين على النشاط السياحي؟ جدة كانت قبل كارثة السيول تعاني من قلة الاهتمام بمجال السياحة، وكما ذكرت لك فإن كل الجهد الذي بذل كان قائمًا على جهود فردية وليست رسمية، فما بالك بعد وجود الكارثة! هذه الكارثة أعطت فرصة لعدد من الجهات الرسمية العاملة في مجال السياحة لأن تتقاعس. إضافة للوضع الحالي والأثر السلبي لها أعطت الكارثة صورة سلبية جدًّا عن جدة، سواء داخل المملكة أو خارجها عن مستوى بنيتها التحتية المتدني. في رأيي الشخصي فإن ذلك سيعطي دافعًا للجهات الرسمية التي يفترض أن تشجع السياحة لأن تتقاعس عن ذلك بحجة الاهتمام بمعالجة آثار الكارثة، مما سيعود بدون شك بأضرار كبيرة على جدة واقتصادها. مشكلة إدارية * هل نعاني من فساد مالي وإداري من بينها عدم التجاوب مع متطلبات السياحة؟ لا أستطيع أن أقول بوجود فساد مالي أو إداري لأنه لا يوجد لدي ما يثبت ذلك. لكن الذي أستطيع أن أؤكده هو أن جدة عانت خلال السنوات الماضية من عدم الاستقرار الإداري. ماذا تقصد بعدم الاستقرار الإداري؟ أهم جهة معنية بالخدمات في أي مدينة هي الأمانة. في خلال الاثني عشر سنة الماضية مر على جدة ما يقارب 6 أمناء ابتداء من الدكتور خالد عبدالغني وحتى معالي الدكتور هاني أبوراس. هناك 6 أمناء تولوا هذا المنصب خلال 12 عامًا وهذا بلا شك هو أكبر سبب أدى لجعل خدمات جدة في حالة تراجع، خصوصًا أن كل أمين يأتي إلى جدة يتم تحميله الملفات التي كانت بحوزة الأمين الذي سبقه، ومن يتم تحويلها للأمين الذي يليه. هذا جعل جدة خلال هذه المدة تعود إلى الوراء. خلال أكثر من 20 سنة في جدة لم يتم تحسين البنية التحتية أو الاستثمار فيها بشكل لائق وهذا بلا شك جعل الخدمات فيها متدنية ونظرة الآخرين لها أقل من إمكاناتها. لهذا السبب أتوقع أن مشكلة جدة إدارية ومتعلقة بالجهات الرسمية التي تتولى إدارة جدة أكثر من كونها متعلقة بالقطاع الخاص. في مدينة جدة يقيم عدد كبير من أشهر رجال الأعمال على مستوى العالم وتوجد بها مقومات طبيعية قل أن توجد في أي مدينة أخرى فهي بوابة الحرمين الشريفين ويأتيها ملايين الزوار وما لا يقل عن 10 ملايين زائر خلال العام الواحد سواء من داخل أو خارج المملكة. مجموع الزوار في أيام الحج والعمرة من الخارج يفوق 6 ملايين شخص ومثل هذا العدد يأتون في زيارات عمل. ومع ذلك للأسف الشديد لم يتم استغلال هذه المقومات بشكل أمثل. كورنيش بلا خدمات * بوصفكم مستثمر سياحي ولكم نشاط تجاري على واجهات البحر، هناك متضررون من هذه الاستثمارات التي أغلقت البحر أمام سكان هذه المدينة وهناك من يطالب بتخفيف هذه الهيمنة على البحر؟ بلا شك فإن جزءًا من هذا الكلام صحيح؛ ولكن لا ننسى أن جدة تمتلك أطول كورنيش على البحر بالنسبة للمدن العربية، هذه حقيقة مؤكدة، ومن يقولون إن جدة لا توجد بها إطلالة على البحر يخالفون الواقع. في مدينة جدة كورنيش لا يقل طوله عن 60 كم وشاطئ مفتوح يمتد من شاطئ شرم أبحر الشمالي وحتى كورنيش جدة الجنوبي. كما ذكرت لك فإن هناك قصورًا من الجهات المعنية بالسياحة. يوجد بمدينة جدة شاطئ جميل جدًّا وهو كورنيش جدة الجنوبي فلماذا لم يتم استغلاله؟ ولماذا لم تصله الخدمات وهو شاطئ بكر ويعتبر الآن في وسط جدة؟ لماذا لم يتم طرح مشاريع للاستثمار السياحي فيه؟ أنا من المستثمرين الذين ينتظرون فرصة للاستثمار السياحي في وسط جدة لعمل مشاريع مفتوحة، لكن للأسف لم تتم تهيئة الكورنيش للناس وللمستثمرين. أتوقع أن هناك خللاً من الجهات المعنية بالاستثمار السياحي في جدة. توجد في المدينة كذلك شواطئ مفتوحة. أحب أن أؤكد أن كورنيش جدة الشمالي الذي يمتد من منطقة الحمراء مرورًا بالكورنيش الشمالي وحتى شرم أبحر لا يمكن أن أطلق عليه كورنيش بل هو رصيف مشاه فقط لأنه لا توجد به خدمات للناس وليس مهيئًا لجلوس العائلات وليس مهيأ من ناحية الخدمات أو وجود القوارب أو المستوى المتدني للأرصفة. كل هذا جعل الناس يهجرونه. هناك إهمال كبير للواجهة البحرية التي تعتبر واجهة جدة. بصراحة مللنا من تصريحات المسؤولين في الصحف عن اعتماد تحسين الواجهة البحرية لجدة وتطوير الكورنيش. نسمع هذه الأسطوانة والتصريحات منذ ما يزيد على 15 سنة، ولكن للأسف لم نر شيئًا على أرض الواقع. العصا السحرية * هناك من بشَّر الشباب بوجود فرص وظيفية كبيرة للالتحاق بالقطاع السياحي.. فكيف ترى الإقبال وهل هناك إقبال فعلي من الشباب للعمل فيه؟ كما أخبرتك فإن المشاريع السياحية يمكن أن تسهم بشكل فعال جدًّا في حل مشكلة البطالة وهي العصا السحرية لحل كثير من مشاكل المجتمع؛ ولكن للأسف الشديد فإن هذا القطاع لا يجد الدعم اللائق من الجهات الرسمية. قد تسألني عن الدعم الذي يريده المستثمر وأقول لك إنه يحتاج لتسهيل كبير في الأراضي التي يقيم عليها مشاريعه، ويريد التمويل المناسب بدون فوائد عالية ولمدة طويلة حتى يضمن أن مشروعه سيكون قابلاً لتحقيق عائد جيد. المستثمر يريد أن يضمن أن مشروعه سوف يكون ناجحًا وأن هناك عملاء وجمهور له. للأسف فإن سكّان المملكة ينقسمون إلى قسمين: موظفين حكوميين وقطاع خاص وطلبة. هذا يعني أن أغلب سكان المملكة لا يستطيعون ارتياد المشاريع السياحية وبالذات خارج المدن إلا في أيام الإجازات ونهاية الأسبوع. هذا يعني وجود 260 يومًا بلا عمل ولا يوجد عمل حقيقي إلا لمدة 120 يومًا. هذا السبب من أهم المشكلات التي يعاني منها المستثمر السعودي، لكن إذا تم تنشيط دور العمرة لأن المعتمر يستطيع أن يزور الأماكن التاريخية، وإذا تم تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات السياحية لمجموعات منتقاة... * يمكن تحويل الحج والعمرة إلى مفهوم سياحي * هل يمكن أن يتم تحويل الحج والعمرة إلى مفهوم سياحي أي السياحة الدينية؟ نعم، وخصوصًا العمرة. الحج له ظروفه وفترته قصيرة. ولكن ما هو المانع من أن يأتي المعتمر من أي دولة في العالم ويزور مناطق المملكة المختلفة! خلل المفاهيم * ولكن هناك شركات تتلاعب بالمعتمرين والوفود مما يمكن أن يسبب لنا مشكلات كثيرة ومتعددة؟ أتعجب حقيقة من أن تجربتنا مع الحج والعمرة لها مئات السنين وجميع العدد الذي يأتينا من الخارج خلال فترتي العمرة والحج لا يتعدى 5 ملايين سنويًا، ومع ذلك نعتبر أنها مشكلة ليست لها حلول ومعضلة أمام الجهات الرسمية. ماذا ستقول الدول الأخرى التي تستوعب سنويًا 60 أو 70 مليون ومع ذلك نجدهم يدخلون ويخرجون بكل سلاسة وهذه الدول قائمة بالمقام الأول على حركة الزوار والسياح. أتوقع أن هناك خللاً في المفاهيم فلدينا عدد 5 ملايين زائر بين معتمر وحاج وبالنسبة لنا نعتبرهم مشكلة لا نعلم كيفية حلها ويتم استنفار أجهزة الدولة عند خروجهم ودخولهم وهم عدد قليل؟ هناك عشرات الدول الأخرى في مختلف قارات العالم تدخل إليها أضعاف هذا العدد ولا تواجه مشكلة في دخولهم وخروجهم. أتوقع أن المسألة نفسية بالمقام الأول. هناك عدد من المسؤولين لدينا وإمكاناتنا الفنية أكبر بكثير من دول أخرى عديدة ونستطيع أن نستقبل 20 و 30 مليون زائر ولكن للأسف الشديد فإن البيروقراطية وعدم العمل كفريق والتفرد والأنانية في العمل لدى الجهات الرسمية هي التي أدت إلى هذا الوضع الحالي وهو وضع سلبياته أكثر من إيجابياته. مشكلة الأنظمة والتوجيهات * لماذا نجد أن قطاع السياحة لا زال مغلقًا في وجه المرأة التي لم تستطع دخوله والعمل فيه حتى الآن؟ مجال السياحة في الوقت الحالي يعاني منه صناديد الرجال فما بالك بالمرأة التي يفترض أن تكون البيئة مشجعة لها في التسهيلات. ما دام الرجل وهو قادر على مواجهة مشاكله وحلها بنفسه يطالب ويراجع الجهات المتشتتة ويجد معاناة شديدة... * قصدت من حديثي العمل كموظفة؟ في ما يخص المرأة فأتوقع أن المشكلة ليست في الأنظمة والتوجيهات وإنما في المواقع الوظيفية التي تناسب المرأة. هناك عدد كبير من النساء بدأن يعملن كمأمورات سنترال في الفنادق وفنادق المملكة بدأت في ذلك. أما في مكاتب الاستقبال التي تواجه الجمهور فما زال وجودها ضعيفًا ولا أعرف السبب في ذلك. خبرة دولية * قمت باستضافة بعض الفعاليات مثل مهرجان القوارب واليخوت فكيف ترى هذه التجارب وكيف كان الإقبال عليها من رجال الأعمال؟ تجربتنا بحمد الله كانت ناجحة وحققت مردودًا عاليًا وهذا بفضل الله عز وجل ثم بسبب استعانتنا بالخبرة الدولية. لو تم تنظيم المعرض السعودي الدولي للقوارب واليخوت بخبرات وإمكانات سعودية بحتة لما وصل إلى هذا المستوى من التنظيم والدعاية والشهرة العالمية. علمنا أن من أسرار النجاح هو الاستعانة بأصحاب الخبرة الدولية، لذلك تم التنسيق بيننا وبين مركز دبي التجاري العالمي وهو من أكبر المراكز العربية في الشرق الأوسط لتنظيم هذا النوع من المعارض. قمنا بالاستفادة من خبراته والاستفادة منه في تنظيم هذا الحدث وهو حدث سنوي يليق بمكانة المرأة بشكل عام. قلة المراسي * وهل يمكن لكل مواطني المملكة أن يقبلوا على هذه الفعاليات أم أن ذلك خاص بفئة محدودة؟ قيمة القوارب واليخوت في الوقت الحالي تقارب قيمة السيارات. بمبلغ 100 ألف تستطيع أن تمتلك قاربًا. الإقبال على القوارب واليخوت أصبح كبيرًا. المشكلة ليست في تملك القوارب واليخوت وإنما في البنية التحتية التي تخدمها. كثير من مناطق المملكة تفتقد المراسي ومواقع الخدمة. هذا يحد من متعة المواطنين ويقلل من الاستفادة من مقومات المدن. شواطئ تبوك من أجمل مناطق المملكة ولكن أين المراسي وأين مواقع الخدمة التي يمكن أن تخدم أصحاب القوارب واليخوت؟ لا توجد. منطقة ينبع منطقة عظيمة ولكن لا يوجد بها سوى مرسى واحد ونفس الأمر ينطبق على منطقة جازان التي ليس بها سوى مرسى وحيد. قلة وجود المراسي وأماكن الخدمة هو الذي قلَّص من إمكانية إمتاع المواطنين. * كيف تجدون اتجاه المستثمرين في مجال السياحة للاستثمار في مناطق الليث والقنفذة؟ نحن أول من استثمر في الليث منذ عدة سنوات والحمد لله اشتهرت على مستوى دولي وليس فقط على مستوى محلي. أدعو المستثمرين لتغيير سياساتهم من الاستثمار في المدن والاتجاه للاستثمار في المحافظات والمواقع خارج المدن وهي مناطق غنية بالإمكانات السياحية شريطة توفر الخدمات. تم الإعلان مؤخرًا عن قيام مشاريع سياحية في مناطق القنفذة والليث وأنا وغيري مهتمون بهذه الاستثمارات. للأسف حتى تاريخه لم يتم إعطاؤنا أي تفاصيل عن هذه المشاريع سواء من قبل الهيئة العامة للسياحة أو من قبل الأمانة، ومع ذلك فلا زلنا في انتظار هذه التفاصيل وأتوقع أن يقبل عليها المستثمرون.