يشكل المثقفون في كل مجتمع وأمة محور ارتكازها المدني، وأساس تفاعلها الحياتي، ومشعل نورها وتقدمها؛ ودون أدنى شك فإن مجاميع الحضارة والفكر المدني تصنع لأي شعب على وجه المعمورة المعجزات، وتحقق له ما قد يبدو مستحيلاً، وإن أمة تحظى بمثقفين من مشارب مختلفة ومنفتحة لا خوف عليها البتة، ومن هنا أثبت الشعب المصري الشقيق أنه شعب مدني ومثقف من الدرجة الأولى، حيث شارك مثقفوه، وأركان فكره في مواجهة المحنة التي عصفت بمصر، وكان للمثقفين -على وجه التحديد- دور باسق ومؤثر في تكوين اللجان الشعبية بفكر شبابي متّقد؛ وقد قامت تلك اللجان بحماية المتحف الوطني المصري، وكل مقدرات ومكوّنات الثقافة المصرية، مشكّلةً سياجًا أمنيًّا يحكي روعة المصريين وثقافتهم العريقة القادرة على صون الإرث الثقافي، والوجه الحضاري الذي تزينت به أرض الكنانة على مر العصور. إنني هنا لا أتحدث عن شأن سياسي بعينه، بل أعني ذلك التوجه الثقافي الذي جابه الأزمة وحوّلها من خطر مبين، إلى عنوان عريض يرسّخ مفهومًا أزليًّا وهو أن الثقافة قاعدة نجاح الشعوب..! الشثري بجذور الفكر اطّلعتُ على عدد من مؤلفات الباحث الفذ الدكتور محمد بن الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري، حيث أثرى مؤلفاته بفكر متجذّر في أعماق البحث والتأصيل العلمي الرصين، وقد ألّف الدكتور محمد الشثري أكثر من 20 كتابًا تناولت العديد من الموضوعات العلمية ذات الأثر الكبير في مسيرة الفكر الإسلامي بشقيه التأريخي والثقافي، وممّا يحسب لذلك المؤلف الكبير طرحه المتّسم بالجدية والأصالة في التحقيق والسرد والنقل بأمانة علمية نادرة وجاذبة، والحق أنه أضاف للمكتبة العربية مراجع هامة، وغاية في الدقة والحساسية لحقب زمنية مرّت من حياة الجزيرة العربية دون أن يلتفت لها بعض الباحثين؛ وبصدق أهنئ المكتبات السعودية على وجود ذلك الزخم الفكري المطبوع لواحد من مؤلفي الجيل المعاصر الذي طرّز ذلك كله بمنهج أكاديمي أصيل. ولعل ما لفت نظري أيضًا كتابه (رحلة لطيفة مع الكتاب وتأليفه)، وفي ذلك الكتاب بالذات أجاد المؤلف ببراعة وإتقان تحويل قرائه بذكاء إلى كتبه وأبحاثه بأسلوب سلس وشائق ومنظم. نقادنا الشباب على الدوام لديّ احتفاء كبير بالنقاد والأدباء والمثقفين الشباب، وأرى أن مثقفي الجيل والعصر الحديث الأكثر مقدرة على التماهي مع المجتمع، ومحاكاة توجهاته في كافة الأطر والمناحي؛ بل هم الأقرب حتمًا إلى الارتقاء بالمتلقي إلى رتبة المثقف من خلال ممارستهم الواقعية للطرح الثقافي المحبب إلى نفوس الناشئة والشباب، ويبرز في النقد المسرحي «من أولئك الذين أتحدث عنهم» الزميل الأستاذ نايف البقمي، الذي يُعدُّ واحدًا من أفضل النقّاد في جيله. وينضم إليه في مجال الثقافة والإعلام الزميل النشط جدًّا الأستاذ والإعلامي الباهي عبدالله آل وافية، الذي يشكّل هو الآخر محور اهتمام الكثيرين من متابعيه، ومريدي طرحه، ومحبي نشاطاته الثقافية الناجحة واللافتة. [email protected]