كعادته في اللحظة المناسبة عبر جيش مصر عن نفسه معلناً الانحياز التام لشعب ظن كثيرون انه انتهى ولأمة تخيل من في قلوبهم مرض انها ماتت. هكذا كان المشهد العظيم امس إيقاع شعب عظيم وأداء جيش أمين. صحيح ان الشهداء هذه المرة وعلى غير العادة كانوا من جموع الشعب لكنهم في البداية والنهاية أفراد أسر مصرية واحدة سطرت أروع ملاحم التضحية في التاريخ العربي بل العالمي الحديث. في اللحظة التاريخية المناسبة اختار المشير محمد حسين طنطاوي وأعضاء مجلس القوات المسلحة أن ينسحبوا أو يستأذنوا بأخلاق النبلاء من قائدهم الأعلى لأداء واجبهم المقدس في الدفاع عن الشعب الذي انتفض. في اللحظة التاريخية المناسبة ورغم صداقة العمر وشرف الكفاح المشترك اختار قادة الجيش من فرسان الجو والبحر والبر ان ينتظموا في طوابير الشعب المصطفة بطول مصر وعرضها مرددين أنشودة الوطنية الحقة والكرامة الحقة، ومكونين اجمل المشاهد العربية في العصر الحديث. في اللحظة التاريخية المناسبة ظهر معدن مصر الأصيل بمسلميها وأقباطها، بشعبها وجيشها، بشبابها وشيوخها، بعلماء الذرة وعلماء الدين، بالفنانين الأحرار والكتاب الشرفاء. ولأنها مصر فقد وقف الخلق جميعاً ينظرون إليها بفرح غامر وهي تبني قواعد المجد من جديد. سبعة عشر يوماً من التضحية والفداء والثبات سعت خلالها مصر للعودة بوجهها الأصيل وتحملت فيها سيلاً من الاتهامات والتجريحات دون ان تلفت لسقط القول وفحش اللسان. وللخائفين على مكانة وأمن مصر واقتصادها وسياحتها نقول ان شمس مصر العرب أشرقت من جديد، وان أمنها سيتعزز بفعل روح الانتماء الحقيقي والحب الحقيقي وان اقتصادها سيزداد متانة فور تطهيره من التلوث، وان سياحتها ستشهد رافداً جديداًَ لا يقل أهمية عن السد العالي واهرامات الجيزة اسمه (ميدان التحرير). أيها الميدان المصري الفسيح.. لقد تحولت أرضك وسائد لقلوبنا كي تستريح. أيها الميدان المصري الفسيح لقد عرفنا الان اسمك وحفرناه في قلوبنا.. ميدانا لتحرير الارادة المصرية وتوثيق شهادات البسالة المصرية، وكتابة القصائد المصرية وتأليف الروايات المصرية، وتعليم الأجيال المصرية. غداً غداً ستعود قوافل الشباب الجميل الى جامعاتها ومعاهدها ومدارسها، وستعود الدبابات والمدرعات والمصفحات الى ثكناتها. سيعود العمال الشرفاء الى مصانعهم لينتجوا «صناعة مصرية» ويعود الأطباء الى مستشفياتهم ليطببوا الاجساد التي انهكها الفقر والقلوب التي أضناها الألم. غداً غداً سيعود القضاة الى محاكمهم والعلماء الى معاهدهم وشيوخ الساسة واصحاب الفكر والقلم الى دورهم. لقد خرجت مصر كلها ظهر الخامس والعشرين من يناير وها هي تعود.. تعود من جديد بفعل الامهات المصريات اللائي قدمن شهيدات عظيمات تتقدمهن «سالي» وشهداء أبرار يتقدمهم «خالد». تحية لكل أم مصرية ودعاء من القلب للأم الكبيرة (مصر).