بعيدًا عن السياسة وهمومها، لنا وقفة مع شباب مصر في مواقفه العظيمة وقت المحن. وحقًّا إن في المحن منحًا ربانية تتجلّى على عباده المؤمنين. شعب مصر دومًا مضرب الأمثال في حبهم لوطنهم، واحترامهم، وتقديرهم، واعتزازهم لمقدراته وترابه، على المستوى الإنساني تجد فيهم أُلفةً، ومحبةً، وحبًّا للحياة، كما أن للنكتة المصرية مكانتها، وهي حاضرة دومًا، وكأنها تجري في دماء هذا الشعب. لأهل مصر حق كبير علينا، ولنا معهم صلات قربى ورحم، وقد أوصانا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام بهم خيرًا، حينما قال: (استوصوا بأهل مصر خيرًا، فإن لي فيهم نسبًا وصهرًا)، وكما ورد أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم عنهم إنهم خير أجناد أهل الأرض. في هذه الأيام الصعبة التي تمر على أهل مصر يضرب شبابها مُثلاً عُليا في الوحدة الوطنية، وكيف نظمت المجتمعات البشرية نفسها، تدافع عن أرضها وعرضها، وتحاول التصدي لكل معتدٍ طامع، أو صاحب هوى في نفسه، أو مخرب. كيف تتكاتف الأيدي، وتتوحد القلوب، وتلتقي الأضداد، وإن اختلفت العقيدة، أو المذهب، أو الانتماء الحزبي أيًّا كان نوعه، يجمعهم كلهم حب الوطن، والانتماء للأرض. أنتم أهل مصر لا خوف عليكم، إنها غمّة وستنزاح بمشيئة الله، فالعالم يشهد بأنكم أصحاب حضارة عريقة ضاربة في جذور الزمان، وأنتم أهل العلم والفكر والثقافة، ولن يضيع الله مصر وأهلها، وستعود -بإذن الله- آمنة مطمئنة، ولكن يريد الله أن يمحص القلوب، ويطهر النفوس، وستعود لكم مكانتكم وعزكم. لمصر رموز عظماء على مر التاريخ يُشار لهم بالبنان، هم فخر الأمة العربية من علماء وأطباء وفنانين وشعراء، كل العرب يجمعون على حبّهم، من أمثال الشعراوي، ومحمد سليم العوا، وفاروق الباز، وأحمد زويل، ومجدي يعقوب، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وتلك الحفلات المميّزة لسيدة الغناء العربي (أم كلثوم)، تشهد لمصر بأنها كانت تجمع العرب كلهم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب؛ للاستماع إليها في أيام خالية. أرض الكنانة الحبيبة دمت بخير لأهلك ومحبيك، وستبقين قبلة للعلم، والثقافة، والحضارة ما بقي الزمان. * خاتمة القول: أحسست بروعة وجمال النشيد الوطني وقيمته عند كل شعب من الشعوب عندما اجتمع حشد من الشباب في ميدان التحرير بعد صلاة الجمعة الماضية يرددون نشيد مصر: (بلادي بلادي بلادي.. لك حبي وفؤادي)، وكأنها رسالة من هؤلاء الشباب الذين يتمتعون بقدر كبير من الوعي والثقافة يقولون بصوت واحد لكل مندس بينهم: نحن نريد الخير للوطن، والحب لأهله، فلا تدخل بيننا، وتعكر صفو حياتنا، ولن نسمح لك بالتخريب، أو التدمير، أو إلحاق الأذى بأحد. تحية لحكماء مصر وعلمائها الأجلاء، جمع الله قلوبكم على قلب رجل واحد حتى يعود الاستقرار والأمان لمصر الغالية. [email protected]