قال محدثًا نفسه: لا تكونوا وتعاستي شركاء لتدميري.. أَأَهيم على وجهي وذل محبتي لكم ومعاناتي! وأتغرب عن كوني الذي كونته بكم ولكم؟! وأُهاجر نحو حبيب لا أعرف عنوانه، وفناء لا أعلم مكانه! وكيف وأنا من بؤس حالي فر مني كل مَن لم يجد غير حناني؟! أَأَجد مَن يرسم لي معه خارطة أحلامي؟! هيهات.. هيهات.. من أبحث عنه في فضاء عصرنا الحديث، فالحبيب الوفي نادر كنُدرة الماء العذب في محيط مالح.. وتابع حديثه لنفسه قائلاً: ليتكم لم تردموا نهر ودي وعطائي.. فأنا لكسب محبتكم بعدما أهملتموني تسوّلت تعاطف المقربين، ولكن بضعفي ومهانتي وقلة حيلتي، وكان جزائي منكم هو جزاء مَن يصنع المعروف مع غير أهله.. لأنكم عن دار حنانكم طردتموني، وعن دائرة حضنكم أبعدتموني! وكنتم -بعد رحمة الله- الأمل لنجاتي بعدما وقعت بين سندان ضُري ومطرقة يدي التي تربت بمأساتي! ولقد ذبحت إسعاد نفسي لأستحث نهوض ضميركم نحوي، ويا لخيبة رجائي فقد خاطبت ميتًا!! فزاد همي؟! وتقمصني غم إحباطي آه.. وآه بل كل الآهات. هل تعلمون؟ هل تدركون؟ أن برودة صقيع مشاعركم نحوي أصابتني بفقد الإحساس بدفء العاطفة حتى وإن وجدت؟! لأن قلبي أصبح بناءً مهجورًا يوحش من ينظر إليه.. ويا دموع عين فؤادي؟ لماذا فضحت ودي وأظهرت جلباب معاناتي؟! لا وألف كلا.. لن أبذل المزيد؟! إني هاجركم لأنكم بعقوقي تجاهرون، ولصدكم لي تحبطون.. سأذهب بعيدًا لكي لا يموت خنقًا توددي لكم! وتتبلد مشاعري وتجتث عواطفي، وتسحق مشاعري!! لأني من داء الوفاء لكم وللجميع أُعاني.. ولما وجلت منكم زرت قبر أحلامي! فوجدت (يمامة)! قرب شاهدي راعها تردي آمالي فبكت مصرع حلمي ونحر كياني.. فولولت باكية وصوت عويلها أسمع الكون! كيف لا وهي ترثي فقيدي.. -(ذاك الذي مات في مهده.. أنها كرامة إنسانيته وتحقيق حلم حياته ليعيش مع ملهمته التي لم يجدها وينتظر التعرف عليها)- وحينما سمع صياح رغاء جمل صبره يستغيث تكبد العناء لمواساته وشد انتباهه صوت من تعاطف معه وناداه أنها (حمامة سلامه) والتي قالت: يا مكبلاً بأصفاد الحرمان هلّا محوت بالفرح أغلال بؤسك الماضي!! لتنعم بسقط المتاع.. فكفاه عن رد الجواب (هدهد حظه!) قائلاً: يا صائحًا بهذا (إن هذا أشلاء حلم! وحطام أماني فسوّلت له حطام عزائمه.. الفرار منهم بل الهروب من مأساته (وهم) بعد تردد بالسير في طريق غامض مجهول نحو الأمل المفقود.. وفقد توازنه لما حط على أرض (سبخة) هي ذاته المحطمة!! وقلة زاده!! وكبلته أصفاد نفضه لغبار بؤسه في وجه جميع من زاره مستأنسًا بصدق مشاعره!! ففضح أمر معاناته وسرد قصة حاله لمن حوله!! فكان جوابهم صمتهم المطبق.. وتعاطفوا معه بإهمال حاله!! قبع ولم يبرح مكانه.. ولازال باكيًا ينوح لماذا أخسرتم ميزاني يا مَن كنت أرجو منكم عطاءً بعد حرماني؟! مسعد مسيعيد الحبيشي - المدينة المنورة