ما إن بدأ، مطلعَ السبعينات الميلادية، عرضُ فيلم «الرسالة» للعرمِّيكي العربي الأمريكي/ «مصطفى العقاد»، الذي استشهد في تفجيرات عمَّان الشهيرة حتى انهالت عشرات الفتاوى من مختلف أقطار العالم الإسلامي، تهاجمه وتندد بفعلته الشنيعة: تجسيد بعض الصحابة رضوان الله عليهم، في أول عمل «هوليوودي» يعرِّف الناس بالرسالة المحمدية الشريفة، في وقت لم يكن في معظم بلدان تلك «الفتاوى» سينما ولا تلفزيون! ومع هذا بلغ ببعضها أن أهدر دم «العقاد» صراحةً! وشهدت «لندن» تحطيم وحرق عدة دورٍ سينمائية، قبل أن يبدأ العرض! وتورطت للأسف بعض المؤسسات الدينية المحترمة في العالم كله، كالأزهر الشريف، وأصدرت فتوى، جددتها قبل أشهر، تحظر تجسيد الصحابة في الدراما على الإطلاق! وليس لها من حجة سوى القاعدة «البشرية» الأصولية الشهيرة: «درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح»! رغم تعارضها مع القاعدة الأخرى: «الأصل في الأشياء الإباحة»، المبنية على قوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}؛ حيث إن العطف بالفاء يعني الترتيب والتعقيب: العمل أولاً ثم مراجعته وحظر ما يثبت فساده! فكانت علة التحريم الأزهرية: أن تمثيل الصحابة (قد) يخل بوقارهم واحترامهم! مع علمها أنه لاتقديس في دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم لبشرٍ مهما كان! ولا عصمة إلا للنبي فداه الأرض ومن عليها اجتباءً له وتفضلاًّ عليه من الله سبحانه، ولم ينلها لذاته الشريفة! ولعل من حكمته تعالى أن يسجل لنا أخطاء وقعت في حياته صلى الله عليه وسلم، كان بعضَ أبطالِها صحابةٌ أجلاَّء عدول، كحادثة الإفك! ومنهم رضوان الله عليهم من زنا، ومنهم من شرب الخمر، ومنهم من سرق واتهم يهودياً (النساء 109 113)، بل نزل فيهم قوله تعالى:{ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}! ولو أقسطت لجنة الأزهر والإنتاج التلفزيوني والسينمائي في مصر لا يتم إلا بمراجعتها لكانت علةَ تجديد فتواها: ما وقع «فعلاً» من المنتجين الذين جسدوا الصحابة؛ كأن يكون أحدٌ سخر مثلاً من «أبي بكرٍ الصديق» وهو يقول: «من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لايموت»! أو سخر من «الفاروق» وهو يمتدح نزاهة ولاته، فقال أحدهم: «عففتَ يا أمير المؤمنين فعفُّوا، ولو رتعتَ لرتعوا»! أما الخطر الأفدح لهذا التحريم المطلق، فهو أنه جاءَ «دَرْعاً» للمفاسد، إذ صرف المنتجين إلى تمثيل القضايا السطحية التافهة، وإبراز الأخطاء البشرية الطبيعية على أنها هي السائدة! وما أكثر الأمثلة في الساحة السعودية وحدها، التي جسدت السعوديَّ أبلهَ ساذجاً، كسولاً خاملاً، قصير النظر، حتى نعمة «البترول» ميزته الوحيدة ليس هو من اكتشفها ولا هو من يديرها! [email protected]