في اجتماعنا الثاني والسبعين لمجلس الغرف السعودية، والذي عُقد في بريدة الأسبوع قبل الماضي، استشعر 52 رجل أعمال، أن رجال القصيم عمومًا يملكون رؤية واضحة لمفهوم أخلاقيات العمل والعادات الاجتماعية، والتي انعكست بوضوح على الانفتاح الاقتصادي، وقدرتهم على تنفيذ المبادرات الخلّاقة. القصيم ليست (غير)، ولكنها أرض زراعية خصبة متفاعلة مع سكانها، بها مزيج متجانس من القبائل التي هاجرت إليها عبر مئات السنين، مثل قبيلة العجمان من نجران، وقبيلة أكلب من بيشة، وقبيلة حرب وعتيبة من الحجاز، وقبيلة قحطان من تثليث، وأصبح الامتزاج السكاني مع أهل اليمامة من بني أسد وتميم وعنزة، دافعًا ثقافيًّا لظاهرة اجتماعية لها خصائص القوة والعزم، وسجل أبنائها تاريخ اجتماعي واقتصادي وسياسي مؤثر في مجتمع السعودية خلال ال 80 عامًا الماضية. القصيم ليست فقط بريدة وعنيزة، بل إن ال 15 محافظة في القصيم تمثل كيانًا واحدًا، وهم جزء لا يتجزأ من شخصية أساسية، وهي «قصيمي»، وخلال زيارتنا والتي استغرقت يومين كان الحديث عن الظواهر الاجتماعية والتاريخية، يغلب على الحديث الاقتصادي أو الاستثماري، وبدلاً من استعراض غرفة القصيم للمنجزات العمرانية، أو الصناعية، أظهروا لنا الجانب الخيري في أهلها من خلال المبادرات الخيرية، فحجم الأوقاف العائلية خيالي، وتقدر بأكثر من 20 مليار ريال، ومهرجاناتهم تنبع من طبيعة الأرض والعادات، مثل مهرجان التمور، ومهرجان الكليجا والسياحة، وبرامج توطين الوظائف للسيدات، امتد من القاعدة العائلية وهي الأسر المنتجة، كل هذا العمل الكبير تم دون ضجيج إعلامي، أو منتديات اقتصادية، أو نسائية تؤثر علي قيمة العمل.. زراعة التمور في القصيم نجحت بسبب مراكز الأبحاث التي أقامها رجال الأعمال في المنطقة، وهذا المشروع التنموي يعيد للأذهان مكانة (اليمامة) في زراعة القمح في عصر ما قبل الإسلام، وكما ورد في كتب السيرة بأن اليمامة كانت تزود مكة والطائف وغيرهما من المدن بالقمح. «بريدة» اليوم أصبحت المقر الرسمي لهيئة سوق التمور في السعودية من خلال (البورصة)، وأنا أجزم أن القصيم بعد أن نجحت في سحب بساط الإنتاج والتصدير للتمور من الأحساء والمدينة المنورة، سوف تتربع على عرش الإنتاج العالمي بحد أقصي 2014م، وللعلم الدولة الأولى في العالم هي دولة الإمارات العربية المتحدة، تليها السعودية، وبعدها بمراحل العراق، ومصر، وتونس، ولبيبا، وباكستان، وإيران.. وحتى يكتمل نجاح الإنتاج الوفير ومشروع البورصة، ذكر لنا رئيس اللجنة الوطنية لصناعة التمور الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله التويجري، أن غرفة القصيم مع مجلس الغرف السعودية يعملون مع هيئة المواصفات والمقاييس السعودية على وضع (كود) عالمي لكل نوع وصنف للتمور، يحدد فيه طول وحجم ودوران التمر، مع مدى التصاق القشرة ورطوبتها مع الحشوة الداخلية، وهذا المشروع أخذ منهم أربع سنوات من العمل الدؤوب، وقريبًا سوف ينتهي هذا المشروع لتكون القصيم أول مَن وضع كود دولي للتمور في العالم.. القصيم لم تقف عند هذا المشروع، بل انتقل رجال الأعمال في القصيم لمشروع جديد اسمه (الأنعام)، ويسعون من خلال هذا المشروع إلى تطوير تجارة المواشي، وبدلاً من الاستيراد والأمراض، والأنواع المجمّدة، سوف تسعى المزارع في القصيم إلى تطبيق معايير محددة لتربية وتسمين المواشي، مع إمكانية التوسع إلى التبريد والتغليف، وسرعة التوصيل لجميع مناطق المملكة، وأتوقع بعزم أهل القصيم أنه سوف يعلن في عام 2015م عن إنشاء بورصة للأنعام تُحدَّد من خلالها أسعار المواشي في كافة مناطق السعودية. أمّا المشروع الثالث فهو مشروع (الأسر المنتجة)، ومشروع (حرفة)، والتي استطاعت الأميرة نورة بنت محمد آل سعود أن تجعلها تعمل بأقصى طاقة، ولكن بصمت وفق قاعدة (قع ذرة وكل سكر)، وفي القاعة الكبيرة لسوق الأسر، اختلط الرجال مع النساء بالضوابط الشرعية ما بين بائع ومشترٍ، فيها كل العناصر المختلف على طبيعة عملها في باقي مدن المملكة مثل: (الكاشيرة - البائعة - الطباخة - الدلالة - منسقة المناسبات)... إلخ، ولكن إعلامهم لا يحارب العمل الصالح، وكذلك رجال الهيئة يرقبون بالحسنى والرفق، وأمانة المنطقة تدعمهم بالتراخيص، حتى غرفة القصيم تعاقدت معهم لعمل مأدبة الغداء والعشاء، والتي أقيمت على شرف رئيس مجلس الغرف، وكل هدية قدمت لنا من الكليجا، وعلب القهوة، وعلب التمر تم شراؤها من الأسر المنتجة وليس من منتجات خارجية. ختامًا.. القصيم خلية نحل في العمل التجاري والزراعي والدوائي الدؤوب، وبها مناخ استثماري مستقر ومحفز، وليس لديهم حساسية في تملك الأراضي الزراعية، فمثلما تم استقطاب الشيخ عبدالرحمن فقيه، فقد قدم العرض مثله للشيخ صالح عبدالله كامل، ولجميع رجال الأعمال، ولسان حالهم يقول قلوبنا مفتوحة لكم قبل الاستثمار، والاستثمار المطلوب يجب أن يكون تنمويًّا يشمل كل المجالات، وليس طوبًا وأسمنتًا فقط. www.abm.com.sa