يعلم المهتمون بآثار المدينةالمنورة بأن الكثير منها ابتلعته الإزالات التي تمت لأغراض مختلفة. وأخرى طمست بسبب إهمالها بما في ذلك المساجد التي شيدت في العهد النبوي الشريف وعهد الخلفاء الراشدين فأصبح بعضها أثرا بعد عين وبعضها أُزيلت بسبب شكوك لم تُبن على يقين يستوجب إزالة آثار لها مكانتها في التاريخ الإسلامي. بينما الأمم تفاخر بآثارها وتعمل على صيانتها ولو كلفها الكثير، لكون الآثار من الشواهد الماثلة على دور الأمم في إعمار الأرض، والآثار من وسائل الجذب السياحي ومصدر من مصادر الدخل القومي عند أغلب الدول، أما الآثار الإسلامية فهي ذات قيمة كبيرة عند المسلمين على مدار الدهر وخاصة المواقع التي غشتها بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بالمساجد التي صلى بها نبي الأمة. فهي جديرة بالاهتمام والمحافظة عليها من العبث وكم اعتلت الأصوات تنادي بالمحافظة على آثار المدينة النبوية ولكن دون جدوى، وهيهات أن تعرف الأجيال القادمة مآثر أمتها التي لم ترها بالعين المجردة ولم تطلع على ما دون في بطون الكتب عن هذه الآثار، ومصدر ثقافتها جهاز (لاب توب). وحتى تثبيت حدود المدينة النبوية بقي ردحا من الزمن بين اليقين والشكوك حتى استقرت رحاهُ بتثبيت العلامات الحالية التي لم تخلُ من ملاحظات وانتقادات ولم تكتسب القناعة التامة عند بعض المختصين. وأعود لموضوع العنوان (مسجد الفسح) الواقع في سفح جبل أحد الجنوبي شمال مقبرة شهداء أحد وعلى الطريق المؤدي إلى شُعب المهاريس الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر والعصر إماما بالصحابة الأجلاء وهو جالس حيث كان مثقلاً بالجراح يوم معركة أحد، وتكرر ذكر هذا المسجد في بطون كتب السيرة، وكان عامراً حتى عام 1402ه حسبما ذكر الباحث الآثاري الدكتور تنيضب الفايدي وهو عبارة عن فناء من الحجر غير مسقوف، وبسبب الإهمال والعبث فيه لم يبق َ منه سوى جزء من سوره القبلي وقد زاحمته المباني، فهو على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ليلحق بالآثار التي غيبتها الأرض ما لم تمتد له يد الجهة المختصة لتعيد تسويره وتحافظ على مسجد صلى فيه سيد البشر وبعض الصحابة الكرام والدماء تنزف من أجسامهم بسبب وقوفهم ضد أعداء الحق ولرفع كلمة لا إله إلا الله، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، نرجو أن تتحرك الجهات المعنية لصاينة ما بقي بالمدينة من آثار. والله المستعان.