لا يكاد أن يجتمع الجهل والفقر في أمة من الأمم إلاّ ويلقي بظلاله الوخيمة، ويثمر بثماره البائسة على مجتمعه وأبنائه. ويظهر ذلك جليًا في العديد من المجتمعات والحكومات التي لا تولي اهتمامًا إلى محاربة الجهل ونبذه، ونشر العلم والثقافة، والتي تنتج منه محاربة الفقر على نفس النقيض. وعندما ننظر في تاريخنا العربي والإسلامي على الإرث العظيم من العلوم والثقافة نجد أننا كنا في مقدمة ركب الحضارة والتطور، وانعدام الفقر، فنجد العديد من العلماء الذين ساهموا مساهمات عظيمة، ووضعوا اللبنات الأولى لما نشاهده من تقدم وحضارة في زمننا الحاضر، فمنهم العالم الكبير ابن الهيثم عالم الرياضيات والبصريات والهندسة، له العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث، منها حقيقة الرؤيا، أي أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين، وليس العكس، كما كان يعتقد إلى حين عصره، فمرورًا بجابر بن حيان عالم الكيمياء الذي كان يلقب بأبو الكيمياء لإسهاماته العلمية العظيمة، فمنها إدخاله المنهج التجريبي للكيمياء، إضافة إلى اختراعه القلويات وماء الفضة. ولا ننسى العالم الكبير والطبيب والجراح الماهر أبو القاسم الزهراوي، الذي ستظل أدوات الجراحة الطبية في عصرنا الحاضر شاهدة على إرثه العلمي العظيم. ولكن نقف وقفة مع المستشرقة الألمانية “زيجريد هونكه” وما قالته عن الزهراوي حيث تقول: “الزهراوي أول من توصل إلى طريقة ناجحة لوقف النزيف من الشرايين، لكن ما يدعو إلى الأسف أنك لو سألت طالب طب عن مبتدع أول طريقة ناجحة لكبح النزف عن الشرايين لرد عليك في الحال (إنه الجراح الفرنسي أمبرواز باريه)”. يا لدناءة الدنيا ولظلمها وجورها، فقد أخذت مقولة : “إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب” منهجًا لها، لقد حافظ الغرب على إرث أجدادنا وتاريخهم العلمي ومن غدرهم وخيانتهم نسبوه لهم في حين ضيعناه نحن وانشغلنا باللهو والغناء والمعازف. في هذه اللحظة تذكرت آخر أمراء الأندلس عندما حوصرت آخر الإمارات العربية فجاء أمه يبكي فقالت له العبارة المأثورة: “ابك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال”، وتذكرت أيضًا قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حينما قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”. صدق الفاروق رضي الله عنه، فعندما نبحث في التاريخ العربي الجاهلي نجد الكثير من مظاهر الجهل والتخلّف، فبدءًا من وأد البنات وقتلهن بغير حق، إلى جانب الثأر والعصبية القبلية، وعبادة الأوثان والأصنام حتى أنهم من جهلهم كانوا يصنعون صنمًا من تمر، فإذا جاعوا أكلوه. فعندما هدانا الله إلى نور الإسلام فتحنا البلدان ووصلنا إلى الشرق والغرب حتى قيل لو أننا انتصرنا في معركة بلاط الشهداء لفتحت أوروبا كلها، ولدرس القرآن وتفسيره في جامعة أوكسفورد، والعديد من الجامعات الأوروبية. ولكن لم يلبث العلم والغنى والرخاء والهيمنة قرونًا حتى انتهت واضمحلت وصرنا من الدول النامية والفقيرة، ومن أكثر المجتمعات جهلاً، فنرى جل شبابنا العربي اليوم إن لم نقل كلهم من يتعلم العلم ويذهب كل صباح إلى المدرسة أو الجامعة لكي يحصل من وراء هذا العلم على شهادة تنفعه في إيجاد فرصة عمل يجني منها رزقه، ويحمي بها نفسه وعياله من شبح الفقر، وكأن فضيلة العلم انحصرت في ورقة للتوظيف!!. أحمد سالم الجميل - الجبيل الصناعية