ُيجرى بعد عدة أيام و بالتحديد في العاشر من هذا الشهر يناير الأول من العام الميلادي الجديد 2011 م الذي يبدو أنه يحمل في طياته الكثير من المآسي للعالمين العربي و الإسلامي الاستفتاء المصيري على الانفصال شبه الحتمي لأكبر دول العالم العربي مساحة السودان الشقيق ، ليصبح بذلك سودانيين أحدهما عربي مسلم شمالي مسلوب الموارد و ثانيهما جنوبي إفريقي مسيحي يتمتع بمخزون نفطي كبير موالٍ جداً لإسرائيل و تطلعاتها في مد نفوذها و هيمنتها على المنطقة ككل ، و أمر هذا الاستفتاء الانفصالي بالرغم من إلقاء العديد من المحللين السياسيين باللائمة على الحكومة السودانية سواءً بحق أو بغير وجه حق أمر عجيب جداً و كأن السودان دولة تحت الاحتلال يجب على «المجتمع الدولي» أن يساندها على تقرير المصير ، و ليت شعري لم لا يطالب ذارفو دموع التماسيح على مصير الجنوب السوداني بمبدأ تقرير المصير في الأراضي الفلسطينية على الأقل المحتلة منها بعد حرب 1967 م. و على الرغم من الانتقادات اللاذعة للمشنعين على نظرية المؤامرة ، فالمؤامرة ضد السودان و العالمين العربي و الإسلامي واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار و الشمس أغنى من أن تحتاج لدليل على وجودها ، فالسودان لم يصل إلى مسار الانفصال تلقائياً أو صدفةً أو حتى بسبب ترامي أطرافه و سعة و تنوع جغرافيته أو حتى اختلاف مكوناته السكانية و تباين نسيجه الإجتماعي عرقياً و دينياً و إن كان ذلك بمثابة الورقة الرابحة المستخدمة من قبل الدول الكبرى كأداة لاستحداث الخلاف و الفرقة ، و لا حتى بسبب سوء إدارة البلاد بشكل إستثنائي ، و ليس هذا من قبيل الدفاع العاطفي عن حكومة السيد عمر البشير فللحكومة السودانية مثلها مثل غيرها من الحكومات الإقليمية و العالمية إيجابياتها و سلبياتها ، بل وصل السودان لهذا المسار البئيس بسبب التآمر الذي تضافرت فيه جهود قوى عديدة إقليمية و عالمية ، و على رأسها إسرائيل التي لم تزل تخطط لإحاطة الدول العربية و على رأسها مصر من العمق الإفريقي عن طريق التلاعب بحصة مصر مثلاً من مياه نهر النيل بالتعاون مع دول حوض النيل ، و بمشاركة فاعلة من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي رعت و دعمت منذ تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1983 م الحركة و أيدتها بكل أشكال و أنواع الدعم المادي و المعنوي و الإمداد بالسلاح حتى تم للحركة توقيع إتفاق ( نيفاشا ) «للسلام» عام 2005 م برعاية شخصية من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الابن. نشطت منذ اتفاق ( نيفاشا ) عدد من القوى السياسية الدولية و المحلية على الساحة السودانية ، على رأسها الأممالمتحدة ومؤسساتها ، و التدخلات السافرة للولايات المتحدةالأمريكية ، إضافة بالطبع إلى الاتحاد الأوروبي. و صدرت عن أحوال و مستقبل السودان عدد من التقارير الدولية تنضح بتآمر القوى الكبرى على السودان و مقدراته و موارده منها تقرير(سيناريوهات للسودان ) ، و منها تقرير معهد هولندي للدراسات: بعنوان ( السودان 2012: سيناريوهات للمستقبل ) ، وتقرير المعهد الملكي البريطاني: ( قرارات ومواعيد نهائية: عام حاسم للسودان ) ، وتقرير معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنيّة : ( سيناريوهات ما بعد عام 2011 في السودان: أيّ دور للاتحاد الأوروبي ) ، و تركز جميعها على السيناريوهات المتوقعة لمرحلة ما بعد الاستفتاء ، و المشكلات التي قد تنجم عن الإستفتاء. و في الحين الذي تهدد فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية بالحرب المدمرة طويلة الأجل على لسان رئيسها باراك أوباما ما لم يتم الإنفصال و لم يجد حرجاً من التهديد ب ( إمكانية سقوط ملايين القتلى ، في حال فشل الاستفتاء ، أو اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب ). ينشغل العرب بشتى أنواع المشاغل و بالصغائر عن عظائم الأمور و منها استمرارية مسلسل تمزيق الدول العربية إلى دويلات فالعراق على سبيل المثال قد أضحى في حكم المقسم عملياً إلى ثلاثة أجزاء البعض منها واضح الولاء لإسرائيل و وثيق الصلات بها ، و السودان ليس في طريقه للتقسيم للشمال و الجنوب فقط بل ثمة مشكلة دارفور و كذلك مشكلة أخرى شرق البلاد فعملية تقسيم السودان إلى أربع دويلات متناحرة جارٍ على قدم و ساق ، بينما عملية تقسيم مصر الشقيقة العربية الأكبر سكانياً آخذة في التبلور فمصر لديهم هي الجائزة الكبرى ، و يمكن فهم تأجيج أحداث العنف الطائفي في مصر بين الفينة و الفينة و التي كانت تفجيرات الكنيسة بالإسكندرية ليلة رأس السنة لعام 2011م أحد آخر مظاهرها ، و تجدد نعرات الإستقواء بالخارج بعض مكونات المجتمع المصري و ما تلاها من تصريحات بابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر عن «حماية مسيحيي الشرق» و الإجتماع المبهم بين السفيرة الأمريكية بمصر و البابا شنودة ، و عرض أوباما بمساعدة مصر في التعرف على الجناة ، و رد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على البابا بالتدخل في الشئون الداخلية المصري ، أو قل إن شئت فتح الباب على مصراعيه للتدخل الخارجي السياسي و الديني في شؤون مصر ينم عن مخططات لتقسيمها باللعب على ورقة الطائفية تماماً كما أستخدمت ذات الأوراق في السودان ، و تماماً كما يتم استخدام الحوثيين باليمن لتقسيمها إلى كيان شيعي و أخر سني ، و الحبل على الجرار. لا يمكن لأي ذي بصر و بصيرة أن ينظر لما يحدث في المشرق و المغرب العربي من حركات إنفصالية بما في ذلك حركات الانفصال الامازيغية بطريقة مجزأة و بمنأى عن بعضها البعض ، بل هي جزء من مؤامرة كبرى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد التي ظننا أنها قد انحسرت عن المنطقة ، و لابد من إعادة الوعي بها و بأمثالها من المخططات ، و إلا لتم تمزيق الممزق من العالم العربي إلى دويلات صغرى متناحرة لصالح الأعداء ، و الوعي بالمشكلة دوماً هو نقطة البداية لحلها. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون. [email protected]