رحم الله الجيل الأول من الصحابة الكرام، ورضي عنهم وأرضاهم، فقد كانوا لا ينحازون إلا للعدل، خشية الوقوع في الظلم الذي حرمه ربهم على نفسه، وهو الذي لا يُسأل عما يفعل. وهذا يهودي يشكو أمير المؤمنين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في درع، يتنازعانها، فيقفان سواسية أمام القاضي المسلم شريح، ويحكم القاضي لليهودي لأن الدرع بيده ولا بينة لدى علي، ولا شاهد له إلا ابنه الحسن رضي الله عنه، وشهادة الابن غير مقبولة كائناً من كان الابن. وينتهي المشهد بإعلان اليهودي إسلامه لما رأى من عدل لا يُوصف، مع إقراره بأن الدرع لأمير المؤمنين.. سقطت من فوق راحلته فالتقطها اليهودي وزعم أنها له. تذكرت هذه الحادثة البسيطة الشأن العظيمة القدر الخالدة الذكر، وقارنتها مع الحكم الذي أصدره القاضي الشيخ طارق السيف ضد الشاب عطاالله الرشيدي وقريب له بجلد كل منهما 30 جلدة بتهمة مضايقة النساء في أحد أسواق حائل، فيما رفض قبول شكوى الرشيدي ضد موظف الهيئة الذي طعنه في بطنه بسكين كان يحملها لأنه تشاجر معه حول العينين الفاتنتين الظاهرتين من وراء نقاب زوجته! مسببات الرفض حسب رأي الشيخ أن قضية الطعن من اختصاصات ديوان المظالم. في النفس شيء غير مريح أبداً، فرائحة التحيز تبدو واضحة (من وجهة نظري على الأقل)، وهي رسالة لكل من تسول له نفسه الاعتراض على سلوكيات أي من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى وإن كان طعناً بسكين أو رمياً بمسدس.!! هل يُعقل أن شاباً يرافق زوجته إلى السوق ليعاكس النساء خاصة وأن زوجته فاتنة حسب مقاييس الطاعن؟ وهل إحالة قضية الطعن إلى ديوان المظالم تضع المطعون في مواجهة مباشرة مع الهيئة، أي أنها متهمة بأسرها لأن أحد أفرادها أساء التصرف، في حين تؤكد الهيئة أن تصرفات منسوبيها ليست معصومة، وأن كلا منهم يتحمل وزر مخالفته للتعليمات (مع ملاحظة غموض التعليمات عموماً)؟ اللهم لا تجعلنا فتنة للآخرين ولا تجعلنا باباً نصد به الناس عن دين رب العالمين...