ليس من السهل على الكاتب اختزال مسيرة بطل ونجم رياضي ساطع بحجم الفارس الأولمبي خالد العيد، الذي رفع هامة الفروسية العربية والإسلامية والسعودية في المحافل الدولية منذ حوالي عشر سنوات، عندما كسر احتكار الأوروبيين والأمريكيين للجوائز الأولمبية، وتقلده الميدالية البرونزية في دورة سيدني عام 2000، وفي ذلك اليوم المشهود رفعت راية التوحيد على السارية إيذانًا بمولد فريق سعودي بطل على الساحة العالمية بعد أن فرض سيطرته على الساحة العربية، وليس هذا فحسب بل إن ذلك الإنجار فجر الطموح عند كثيرين من شباب العرب، ولدى أوطانهم بعد أن أدركوا أنه لا مستحيل امام ارادة الرجال. فارس بالفطرة ولم يكن فوز العيد البالغ من العمر 38 عامًا بتلك الميدالية مصادفة، فهو فارس موهوب له طابع أنيق في امتطاء صهوات الجياد، ويتميز بذكاء عال جدًا كان سلاحه في حسم اصعب المنازلات لصالحه، اما خارج ميادين الفروسية فخالد هادئ الطباع، دمثق الاخلاق، صادق الوعد، حينما يتحدث ينساب كلامه رقراقًا كالماء بالساقية، ولا يتحدث الا فيما هو مفيد، قريب جدا من الفرسان، ومحبوب من كل الناس، ولا عجب في ذلك لرجل هذه صفافته. من الجنوب بدأ المشوار قبل نحو 30 سنة صعد خالد إلى صهوات الجياد في نادي ركوب الخيل في مدينة الملك فيصل العسكرية بخميس مشيط حيث كان والده يعمل ضابطًا في الجيش وكانت معه مجموعة من الفتية من بينهم شقيقه فهد، وزميله فهد الجعيد لمجرد التسلية واللهو لانه لم تكن هناك رياضة بمفهومها الحديث، ولم يكن هناك اتحاد يعنى بالرياضة مثل بقية الالعاب الرياضية، وعندما عادت الاسرة إلى الرياض واصل خالد ممارسته للرياضة التي بدأت تجذبه شيئًا فشيئًا حتى اصبحت شغله الشاغل مع رفيق دربه وشقيقه فهد والذي شاركه القرار في مخالفة طريق الاسرة التي لبس معظم افرادها البزة العسكرية مفضلًا امتطاء صهوات الجياد على ركوب الدبابة والطائرة، وعندما عادوا للرياض وجدوا هناك كثيرين من اقرانهم ممن يشاركونه حب الخيل ويمتطون صهواتها، ومنهم: رمزي الدهامي، كمال باحمدان، يوسف البيتوني، عدنان البيتوني، سلطان العجمي، وآخرين ممن يصل عددهم إلى نحو عشرين فارسًا كان معظمهم يتدربون في مدرسة الفروسية الدولية النادي الاقدم والاعرق في مدينة الرياض برئاسة الأمير المحبوب تركي بن محمد بن سعود الكبير والمدير السابق للمدرسة والد جميع الفرسان يعقوب البيتوني فيما كان خالد واخوه يتدربان في مدينة تدريب الامن العام والتي تعلما فيها الشيء الكثير على يد المرحوم باذن الله العقيد سعود المغيصب مدير مركز الفروسية بالامن العام والذي يعترف له خالد بكثير من العرفان بالجميل في فتح ابواب النادي امامهما حيث انضم اليه بعد ذلك الأمير بدر بن محمد بن سعود الكبير وكان من بين اعضائه سعيد مرزوق، عايض عبدالله. اشرقت شمس الذهب ولم يدر بخلدهم أنهم سيكونون الرعيل الاول لمنتخبات الفروسية السعودية، والتي اشرقت شمسها الذهبية بعطائهم، وعلى حبات العرق المتصصبة من جباههم هنا وهناك، وذلك بعد مولد الاتحاد السعودي للفروسية في عام 1990 بمباركة ودعم من الفارس الاول الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينما كان وليًا للعهد، وتولى رئاسة الاتحاد آنذاك الاب الروحي لرياضة قفز الحواجز وسباقات القدرة والتحمل في السعودية الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وزير التربية والتعليم الرئيس الحالي لمجلس امناء الفروسية الذي حلق بالرياضة عاليًا في سماء المنافسة الدولية في فترة وجيزة فله الفضل بعد توفيق الله تعالى ثم دعم وعطاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي اشعل لهذه الرياضة قناديل الضياء فكلما خفتت لها شمعة في زمن ما اشعل الملك الفارس لها شمعات آخرها صندوق دعم الفروسية كونه صاحب الفضل فيما تحقق للرياضة من إنجازات في العقدين الماضيين، وبالتالي لا يستغرب على الأمير فيصل بن عبدالله اهتمامه بالرياضة ووقوفه معها حتى وهو بعيد عن المناصب الرسمية في الاتحاد لانه عاشق لها، ويضيف خالد القول - إن الخيل مخلوق مبارك ربط بناصيته الخير إلى قيام الساعة كما جاء في الحديث النبوي الشريف، ولهذا عندما تولى الأمير نواف بن فيصل رئاسة الاتحاد واصل العطاء وما زال حتى يومنا الحاضر يعمل بصمت ويقدم بسخاء خدمة للوطن وتحفيزًا للشباب الذين اختاروا هذا الميدان ساحة لخدمة الوطن ورفع رايته وفي زمنه تحققت إنجازات كبيرة ومعه نائبه الأمير عبدالله بن فهد، ويضيف القول: وهناك نماذج كثيرة خدمت الرياضة وما زالت على اختلاف مواقعها ولعلي اذكر هنا الاخوين الصديقين زياد عبدالجواد اول سعودي يحترف هذه الرياضة في امريكا والمدير الحالي لصندوق الفروسية وسامي الدهامي مدير المنتخب ورجل الاعمال الذي يضحي بالكثير من الوقت والجهد لخدمة المنتخب، والأمير بدر بن محمد بن سعود الكبير الذي ينظم حاليًا دوري للناشئين في المملكة تبلغ جوائزه ربع مليون ريال ويهدف إلى اكتشاف المواهب وتشجيع النشء، مكملًا جهود مباركة تبذل في عدد من الاندية، مثل: الدهامي، العيد، الاصيل، المطبقاني، ينبع، وهناك أناس آخرون يعملون الآن على ايجاد صناعة لخيل قفز الحواجز من خلال مزارع في بريطانيا، فرنسا، امثال الأمير تركي بن محمد، الأمير سعود الشعلان، الدكتور حامد مطبقاني، وقد سبقهم في دعم المنتخب الاستاذ فهد زاهد في فترات تكوين الاتحاد وانعدام الامكانيات ما بقي على شريط ذكريات البداية مفتوحًا وهو يقول: (حينما اذكر اصحاب الفضل علي فإن اول الناس هما الوالد والوالدة اللذان لم يبخلا علينا كأبناء بشيء ووفرا لنا الخيول، واعطونا حرية القرار ونهج الطريق الذي نريده في الحياة، كما أنني كنت سعيد الحظ في بداية مشواري بوجود الشيخ سليمان الكحيمي الذي قدم لي كثيرًا من الدعم ساعدني على تحقيق انطلاقة قوية. سفير مكة والمدينة وخالد الذي يعد قدوة حسنة للشباب والرياضيين يرى أن مهمته واخوانه الفرسان تتجاوز بكثير مرحلة ركوب الخيل والمنافسة على جوائزها إلى ايصال رسالة إلى الاسرة الدولية والمجتمعات عن الانسان المسلم اولًا والسعودي ثانيًُا وهو يقول: حينما أمتطى صهوات الجياد أضع مكةالمكرمة على يميني والمدينة المنورة على شمالي واتذكر جيدًا كيف أن افئدة من الناس تهوي إلى هذه البقاع الطاهرة التي شرفني الله بان اكون احد ابنائها، ومن فضل الله علينا أن هناك اعدادًا من الناس دخلوا الاسلام من خلال ما لمسوه منا من تصرفات وافعال، وما لاحظوه علينا من سلوكيات وأسأل الله أن نكون دائمًا نموذجًا يحتذى، مثلما كان الاوائل من التجار الذين نشروا الاسلام في بلاد لم تصلها الفتوحات الاسلامية. الاعتزال والعودة وكان خالد قد قرر قبل بضع سنوات التوقف عن المشاركات الدولية مع المنتخب لسببين اساسيين. الاول: أنه رأى قاعدة الفروسية السعودية قد اتسعت بمقدم فرسان موهوبين ولديهم الحماس والقدرة على العطاء ومنهم الأمير عبدالله بن متعب، عبدالله شربتلي، فيصل الشعلان وآخرون كثيرون، ومن حق هؤلاء أن ينالوا الفرصة التي حصل عليها الاوائل ويساهموا في خدمة الوطن ورفع رايته في المحافل الدولية. الثاني: أن الجياد التي كانت لديه غير قادرة على خوض المنافسات الكبيرة لا سيما وانه اصبح مطالبًا بتحقيق إنجازات توازي ما فعله في سيدني وفي بطولة الاساتذة في ماليزيا قبل بضع سنوات، فضلًا عن ذلك احساسه بأن لديه دورًا آخر يجب أن يؤديه لخدمة الرياضة وهو تدريب النشء الذي سيحملون الراية مستقبلا، حيث نظم عدة دورات تدريبية لهم تحت اشراف اتحاد الفروسية في فترة توقف مشاركاته الدولية، والتي ايضًا تفرغ فيها تقريبًا لتدريب الأمير عبدالله بن متعب، والذي يرى أنه افضل منه في اشياء كثيرة منها (طول البال - الصبر - التخطيط) على اعتبار أن الاثنين يشتركان معًا في جمالية الركوب على صهوات الجياد، ولقد ولدت هذه التجربة لديه القناعة التامة بالتفرغ للتدريب بعد انتهاء المشاركة في دورة لندن الأولمبية. الضغوط والنتائج وعندما يصل الحديث المشاركات والنتائج فإن خالد كثيرًا ما يتوقف عند نقاط أساسية في اداء الفرسان ولعل في مقدمتها الضغوط التي تواجه الفارس لا سيما عندما يكون مطالبًا بالنتائج وهو ما كان يعاني منه بعد دورة سيدني، ويعانيه الآن زميله عبدالله شربتلي والذي اثنى عليه خالد كثيرا وقال إنه فارس موهوب وجسور ويعشق التحدي مبينًا أن اكثر الفرسان تأثرا بالضغط هو الأمير الفارس عبدالله بن متعب الذي يشعر بان الحمل كله عليه لأنه قدم للساحة في فترة كان معظم الفرسان متوقفين عن المشاركات لسبب او لآخر فكانت الانظار متجهة اليه وحده مما يجعل المسؤولية عليه اكبر، ويشير خالد في هذا الخصوص إلى أن الجهازين الاداري والفني للمنتخب اوليا هذا الجانب اهتمامًا خاصًا وذلك لتهيئة الفرسان للمنافسات ولاحظنا ذلك في بطولة العالم الاخيرة التي شكلت بداية العودة لخالد إلى المشاركات الدولية نزولًا عند رغبة رجال يحتفظ خالد لهم بمكانة خاصة في النفس وهو في هذه الحالة يحمد الله سبحانه وتعالى على التوفيق والنجاج الذي تحقق للفروسية السعودية في بطولة العالم وفي الصين. الملك الفارس وفي سياق الحديث يسترجع خالد شريط ذكريات لقاء الفرسان بالفارس الأول الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كثيرًا ما يناقشهم في ادق تفاصيل ركوبهم ومشاركاتهم ويضيف: حينما نكون في حضرته نجد أنفسنا امام إنسان ضليع جدًا واسع الاطلاع عراف بأسرار الخيل، وفي لقائنا الاخير به كان حديثه قراءة في المستقبل وتوجيه لنا كشباب بأن نحافظ عل روح الاخوة والصداقة بيننا وان تكون النتائج الايجابية عقدة جديدة في رباط علاقتنا لأن هذه هي طبائع الفرسان واخلاق الانسان المسلم قبل أن نكون رياضيين.