إن الخطاب قائم على النقل أو التحويل أو التأويل مما يقود إلى عملية إنتاج نص حديث، ومن أهم الأفكار المركزية للنظرية الأدبية والثقافية المعاصرة هو التناص Intertextuality الذي يقوم على تحول في الأنساق أو الأنظمة إلى أنساق وأنظمة جديدة ينتج عنها علاقة مغايرة بين الدال (صوت) والمدلول( معنى)، وعندما يحضر أي نص ضمن دائرة أوسع من النصوص التي تشكل علاقة تداولية أكبر نجدها قائمة على إعادة إنتاج للخطاب. في جدارية محمود درويش نجده يتناص مع امرئ القيس في رحلته وغربته مما يجعله يزاوج بين واقع الإنسان المعاصر وواقع امرئ القيس وهو واقع لا يعرف الاستقرار، فالإحساس بالغربة واضح بينهما كما تقول إيمان الشنيني إذ محمود درويش عندما استلهم نتاج امرئ القيس الشعري وقع في دائرة التناص كما عند جوليا كريستيفيا وحوارية باختين ونحن نرى بأن هناك رسالة ظهرت من امرئ القيس وفق منظومة اتصالية متكاملة لكن محمود درويش لم يعد سلبيًا يستهلك الخطاب فقط إنما عمل على إنتاج رسالة أخرى غير السابقة فإذن درويش (مرسل مشارك) فالنص الذي تسعى كريستيفيا إلى توضيحه بأنه تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات لم يعد كذلك إنما خاضع لظروف ومعطيات إنتاج رسالة جديدة من مرسل مشارك تصدر عنه الرسالة الجديدة. إذن لابد لنا أن نعمل على تطوير مفهوم التناص وإن نتجاوز مرحلة كريستيفيا ونتخطى حوارية باختين لأن الرسالة في المنظومة الاتصالية تغير مسارها نتيجة معطيات مغايرة أخضغتها لمرجعيات فكرية وثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومحمود درويش عندما استقبل رسالة من امرئ القيس أنتج رسالة أخرى حملت مرجعيات ومعطيات العصر الحديث. نسوق مثالاً أخر يدل على أن المستقبل في نظرية الاتصال الما بعد حداثية قد أصبح مرسلاً مشاركًا في بناء الرسالة، وإن الرسالة أصبحت ثنائية فعندما قال الشيخ الكلباني بفتوى جواز الغناء لم يعد المستهلك للخطاب الديني سلبيًا بل أصبح تفكيكيًا يمارس نقض المركزية للخطاب الديني مما جعله مرسلاً مشاركًا وكذلك الحال في فتوى الشيخ ناصر الأحد بإعادة بناء المسجد الحرام إذ نجد الفرد البسيط شارك في إنتاج رسالة أخرى اعتبرها ضمن منظومة الاتصال. أخيرًا أرى بأن منظومة الاتصال قد توسعت في مرحلة ما بعد الحداثة مما أنتج لنا مرسل مشارك ورسالة أخرى وفق مرجعيات ومعطيات آنية حاضرة نتيجة لما يعرف في نظريات التلقي بالقارئ الضمني وهو الثقافة التي تجعل المتلقي يشارك في بناء الرسالة بشكل جديد، وكذلك علينا أن نعيد النظر في بعض المصطلحات النقدية كالتناص الذي لم يعد بأنه تداخل النصوص إنما أصبح إعادة بناء النصوص انطلاقًا من مرجعية فكرية وثقافية وغيرها.