القضايا الكلية، والتي تتعلق بمجموع الأمة، لا يسوغ أن يستقل فيها واحد، أو مجموعة معيّنة من الناس برأي ينفردون به دون جمهور أهل الشأن في هذا الموضوع أو ذاك! ومن القضايا التي تناولتها فتاوى وبحوث فقهاء الأمة ومفتوها، مسألة: تجسيد أدوار الصحابة -رضوان الله عليهم- من قِبل ممثلين لعرضها في أفلام، وبصرف النظر عن مقاصد هذا النوع من التمثيل، فإن ما صدرَ من فتاوى من هيئات ومؤسسات ومجامع فقهية يكاد يتفق على حرمة تمثيل الصحابة جميعًا، ومنهم مَن نصّ، وأكد على الخلفاء الراشدين، وباقي العشرة المبشرين بالجنة لعلو شأنهم، وكما يقول الدكتور الفقيه حسين حامد حسان عضو المجمع الأوروبي للإفتاء: إنه وفي أحد اللقاءات الفقهية الخاصة بهذا الأمر انفض النقاش عن توقيع أكثر من مائتي عالم بالتحريم! ومع ذلك كله نجد الأمر على خلاف ذلك، ونرى بين عامٍ وآخر فيلمًا أو مسلسلاً عنهم -رضي الله عنهم- ويُجسَّدُ فيه كبارُهم كالعباس، والزبير، وابن عوف، وبلال، وغيرهم من هذه الكوكبة البشرية، التي لم تلد الأمهاتُ أفضل، ولا أشرف منها على الإطلاق، بعد الرسل والنبيين! ومع توالي السنين بدأ المخرجون والمؤلفون والمنتجون -وبمساعدة ومباركة عدد ممّن ينتسبُ للعلم أو الدعوة- يتسارعون في إخراج أفلام تاريخية عن صحابة رسول الله، لما لها من دخل مادي كبير! حتى وصل الأمر، ومن خلال مسلسل (القعقاع -رضي الله عنه-) الأخير إلى إظهار الخلفاء الراشدين الأربعة كشخوص بدون وجه! وهم يتكلّمون ويتحدّثون! وأخشى ما أخشاه أن يبدأ مسلسل (وهم أصحاب مسلسلات!) آخر من التهاون والتنازل حتى نرى فنانًا، أو ممثلاً وهو يجسد دور أبي بكر أو عمر!! وهي -والله- مصيبة عظيمة، وحطٌ كبير من أقدارهم، وتوهين شأنهم في نفوس عامة المسلمين! والجميع يترقب الفيلم المزمع إخراجه قريبًا عن (الفاروق) -رضي الله عنه-! إن صحابيًّا كأمير المؤمنين الفاروق عمر -رضي الله عنه- ليس مجرد شخصية يقوم بتمثيلها شخصٌ ما ليتحدث على لسانه، بل هو شخصٌ، وصورةٌ، وسمتٌ، وحركاتٌ، وسكناتٌ، وهيئةٌ لا يُمكن لبشر أن يقرّبها للناس مهما أوتي من قدرة، فكيف إن كان هذا الشخص ممّن نعلم أحوالهم من الممثلين والفنانين؟! إن مَن يهرول في هذا الاتجاه أرجوه أن يتأنى، ويعطي كلام أهل العلم والمجامع حقها من الإنصات والتقدير، ويوازن بين المصالح المتوهمة أو الضئيلة وبين المفاسد المترتبة! ولا نوهن أقدار صحابة رسول الله أشرف الناس في نفوس الناس، ولتكن لهم أقدارهم وخصوصياتهم العالية المنيفة الشريفة، والدعوة إلى الله مقصدٌ مشروعٌ، ولكنه يحتاج لوسيلةٍ مشروعةٍ كذلك! أدعو العلماء والدعاة -وفقهم الله- الذي يدعمون هذا الاتجاه؛ لمزيدٍ من التفكير، ولكثير من التأني، فإن المسألة ليست فتوى عارضة، أو رأيًا شخصيًّا، بل هو أكبر من ذلك بكثير.. إنهم أبوبكر، وعمر، وباقي الصحابة -رضوان الله عليهم-!! [email protected]