* جاءت موازنة الخير والنماء متخمةً بالأرقام والمشاريع.. وواصلت الدولة الإنفاق التنموي بزيادة أربعين مليارًا عن السنة الماضية. وحريٌّ بنا -ونحن نعيش فرحة المليارات- أن نتذكرَ مقولتين عظيمتين أطلقهما خادم الحرمين الشريفين -ألبسه الله ثوب الصحة والعافية- قالهما -حفظه الله- بعفويته المعهودة، الأولى كانت عند إعلان موازنة العام قبل الماضي، مخاطبًا الوزراء: (ليس لديكم عذر بعد اليوم). والثانية بعد اعتماده موازنة العام المنصرم (بعض المشاريع ما بينت).. * هاتان العبارتان القصيرتان في مضمونها، العميقتان في معناهما -في نظري- تستحقان أن تُحوّلا إلى برامج عمل لدى الجهات المعنية مثل: وزارة المالية، وديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، ومجلس الشورى. نحن في بداية كل عام مالي نرقص طربًا من مليارات الميزانية، ولكن ينتهي العام دون أن نلمس التنفيذ الواقعي لكثير منها. * لا أجزم أن لدينا مشاريع مسروقة.. ولا أنفي وجود بعض مظاهر الفساد المالي في بعض الجهات. ولكن هناك تلاعبات تتم في البنود من خلال تحويل اعتمادات المشاريع إلى برامج أخرى كالدورات، والانتدابات، والمؤتمرات والصيانة والسيارات. كما أن نظام المنافسات العتيق بروتينه الممل سبب رئيسي في بطء التنفيذ. وإن شئنا أن نستعرضَ الأسباب فلا ننسى نظام مقاول الباطن، الذي تؤول إليه الأمور بفتات من المال، ويكون التنفيذ على مستوى الفتات، بعد أن تطير الطيور بأرزاقها، ويحصل كل هامور على نصيبه! *أرسل إليَّ أحد الزملاء نكتة –إيميلية- عن مناقصة طرحت لصيانة سور البيت الأبيض، فتقدم مقاول أمريكي، وآخر مكسيكي، وثالث سعودي للمنافسة. أخذ الأمريكي جدول المواصفات، وتقدم بسعر 900 دولار للمتر. فسأله المحاسب القانوني المفوّض بدراسة العروض: كيف حسبت التكلفة؟ قال له: 400 دولار للمواد، ومثلها للعمالة، ومائة دولار فائدة. أمّا المكسيكي فتقدّم بعرض مقداره 700 دولار للمتر الواحد، وزّعه كالتالي: 300 دولار للمواد، ومثلها للعمالة، و 100دولار فائدة. وحينما جاء دور المقاول السعودي طلب 2700 دولار، دون أن يطّلع على كرّاسة الشروط، فأثار هذا التصرف غضب المحاسب، وصرخ في وجه مقاولنا العزيز، فما كان منه إلاّ أن ابتسم، ورد عليه ببرود شديد: يا طويل العمر: ألف دولار لك، ومثلها لي، ونخلّي المكسيكي ينفذ المشروع بسبعمائة)!! * لا أدري إذا كان مقاولنا الهمام فاز بالمناقصة أم لا؟ لكن يبدو أنه متعوّد على مثل هذه العطاءات التي تجسّد واقع مشاريع مقاول الباطن، وثقافة السرقة النظامية. * من كل هذا نخلص إلى ضرورة إيجاد هيئة عليا لمتابعة تنفيذ المشاريع تقدم بشكل دوري تقريرًا عن ما تم اعتماده، وما تنفذ، وما عُطل، أو أُجل، وأسباب ذلك. كما أن نظام المشتروات والمناقصات يحتاج إلى تحديث، وأعتقد أن دور الأجهزة الرقابية لا زال قاصرًا في جانب المشاريع، وإلاّ لما كنا حتى الآن نعاني من نقص في الأدوية، وأسرّة التنويم، ومقاعد الجامعة، وشح في الوظائف، ومستوى متدنٍّ في الخدمات الاجتماعية البلدية والتعليمية، واهتراء واضح في كل مشاريع البنية التحتية.