الزواج من سنن الله في الكون ومن أولى ضروريات الإنسان في هذه الحياة، فمن منا لم تهف نفسه للقاء شريك حياته؟ ومن الذي لم تحدثه نفسه تكوين أسرة سعيدة ورعاية أبناء يشبون ليصبحوا أفرادًا نافعين في مجتمعهم؟ ولكن نلاحظ في الفترة الأخيرة عزوف كثير من الشباب عن الزواج، خوفًا من تحمل المسؤولية أو استهتارًا بمعنى الزوجية أو تأثرًا بما تبثه بعض وسائل الإعلام العربية والغربية من مواد تخوف الشباب من الزواج وتصوره بأنه الحد الفاصل بين السعادة والشقاء. فماذا على التربويين والمختصين أن يفعلوا لإزالة تلك الصورة النمطية القديمة؟ وكيف السبيل لإقناع الجيل الجديد بأن الزواج ليس كما يصوره أولئك المغرضون، وأنه السبيل الوحيد لإشباع الغريزة الجنسية وإعفاف النفس الأمارة بالسوء؟ “الرسالة” توجهت بهذه الأسئلة صوب مجموعة من المختصين واستطلعت آراءهم فأفادوها بما تجدونه بين ثنايا الاستطلاع التالي: تغير العصر بداية يؤكد كبير استشاري الطب النفسي الدكتور سعد الخطيب أن تأخر الشباب عن الزواج ناتج عن تخوفهم قائلًا: ليس هناك مشكلات وإنما هي متطلبات الحياة، وكما أن كل شيء له متطلبات فكذلك الزواج، لاسيما في العصر الحديث، وربما كانت تلك المتطلبات في الماضي من الكماليات لكنها أصبحت في عصرنا الحالي من الضروريات والأساسيات بالنسبة للشاب، فكثير من الفتيات لهن متطلبات ويشترطن أن يكون مقر الزوجية مكونًا من أربع غرف على الأقل وأن يكون فرشها من نوع معين، لذلك قد يتخوف بعض الشباب الذين في بداية تكوين حياتهم من الإقدام على خوض تجربة الحياة، ويعللون تأخرهم بالرغبة في توفير المال الكاف قبل الإقدام على الزواج. كذلك لا يخفى على أحد ما تسببه حفلات الزواج في مجتمعاتنا من تكلفة مالية باهظة ليس لها ما يبررها ومضى قائلًا: ينبغي للشاب المقبل على الزواج أن يهيئ نفسه ويزرع الثقة بداخله، وكذلك على الفتيات أن يغيرن من طريقة تفكيرهن ويتحلين بالواقعية، وبعض الشاب يعتقد أنه كلما تقدم في السن كلما كانت قراراته متسمة بالرجولة والرشد، وهذا ربما يكون صحيحًا في بعض الأحيان وقد يكون خلاف ذلك لأن الأمر يتوقف على الشخص وليس على السن. ومن المشكلات العاطفية الأخرى أن بعض الشباب أو الفتيات يتخوفون من الفشل في ليلة الدخلة، أو أنهم قد لا يتمكنون من أداء ما تتطلبه هذه الليلة، وهذا الشعور بالخوف يؤدي إلى نوع من القلق الزائد الذي قد يتسبب في حدوث مشكلات للشباب. لذلك أنصح الشباب بعدم تناول أي مشرروبات منشطة والاكتفاء بالمشروبات التي تتسبب في هدوء الأعصاب مثل العصائر والشوكولاتة، ومن ثم يلتزم بالأمور الشرعية. واختتم الخطيب بالحديث عن فوائد الزواج، قائلًا: الزوج والزوجة الصغيران في السن أقل عرضة من غيرهما للإصابة بالاضطرابات النفسية، فالزواج حماية لهما من الاضطرابات النفسية والانحراف الخلقي والأخلاقي، إضافة إلى كثير من الفوائد النفسية والصحية الأخرى. ظاهرة خطيرة أما عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بكلية الشريعة وأصول الدين الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد فقد بين أن الزواج شرع بالإسلام وهو من أقل الدرجات المشروعة إباحة، مبينا أن ظاهرة تأخر الشباب عن الزواج انتشرت في الفترة الأخيرة بين بلدان المسلمين وهي ما تدل على سوء المنقلب، وقال: عندما بحثنا عن سبب هذه الظاهرة الاجتماعية وجدناها ترجع لعدة علل من أهمها الجهل بأضرار العزوف عن الزواج سواء على مستوى الأمة أو مستوى الأفراد فالعزوف عن الزواج يضعف الأمة ويهددها بالقضاء والانقراض ويمكن أعداءها من السيطرة عليها، كما أنه ينتج ثورة خلقية مدمرة لأن الزواج تصريف للغريزة في حدود الشريعة، وإيقاف ذلك المصرف الشرعي قد ينتهي بصاحبة إلى الموبقات التي تهلك الأمة وتقضي على مقوماتها وبسببه تضيع الأنساب وتتزلزل القيم. ومضى الحمد قائلًا: العازف عن الزواج يعيش محرومًا ومشتتًا وممزقًا وفاقدًا لنعمة الولد، فبالزواج يلتئم الشعث وتسكن النفس ويطمئن القلب ويحصل الولد ويعمر البيت وتتم به نعمة الله على الزوجين؛ والإعراض عن الزواج حرمان من الأجر ذلك لأن الزواج سنة جليلة من سنن المرسلين هذه الأمور وغيرها تجعل الزواج أمرًا يكاد يكون ضروريًا للشاب. ومن أسباب العزوف أيضًا كثرة التبرج من الفتيات، فالمظهر الذي صارت تبدو به بعض الفتيات جعل كثير من لشباب يحجم عن الزواج خوفًا أن ينساق إلى قرينة تستخف بأمور العفة كما تفعل السافرات؛ وهذا التخوف مبني على مجرد أوهام، لأن البيوت المحتشمة المرتبطة بالحشمة والآخذة بأدب الصيانة غير قليلة يهتدي إليها كل من يبتغي الحياة الطاهرة النقية. وأضاف قائلًا: لا ننسى كذلك رقة الدين وضعف الإيمان فإن الإيمان بما يناله الفاسق من الخزي والشقاء يقر النفس على العفاف ويقطع تطلعها إلى ما ليس بحلال فلا يبقى له إلا الاستمتاع بالزواج المباح، أما رقيق الدين ضعيف الإيمان فلا يجد في نفسه حرجًا من إطلاق العنان لشهواته والتقلب في الفساد. وهناك أيضًا السفر إلى بلاد التي يشيع فيها الفجور؛ فهذا مما يزهد الشاب في بنات جنسه. وكذلك الفقر وغلاء المهور فقد يصعب على المرء الزواج. ومضى الحمد قائلًا: من أبرز أسباب الإعراض عن الزواج أو تأخيره قلة الاستشعار لحكمه، فكثير من الناس لا يستشعر حكم الزواج وثمراته المتعددة التي منها على سبيل الإجمال أنه استجابة لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- من حصول العفاف وبقاء النسل والمحافظة على النوع الإنساني وحصول السكن والمودة والرحمة وتكوين الأسرة المسلمة وتكثير سواد الأمة وسلامة المجتمع من الانحلال الأخلاقي والخلقي والأمراض الفتاكة ومن حكم الزواج أيضا حصول الغنى وانتفاء الفقر وهذا من أسرار النكاح ومن لطائفه قال تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العفاف، والمجاهد في سبيل). واختتم الحمد حديثه بقوله: هذه بعض أسباب الإعراض عن الزواج فحري بنا أن نبلغ شبابنا هذه الحقائق لكي يعلموا أن إعراضهم عن الزواج قتل لفضيلة العفاف وحرمان للأوطان من نسل طيب وإطفاء لمصابيح الحياة لاجتماعية الراقية ولا تراهم بعد أن يعلموا هذه الحقائق إلا أن يطهروا نفوسهم من محاكاة الذين لا يرون لهذا الزواج هذه المصالح والفوائد . ضغوط متعددة من جهتها أوضحت استشارية الطب النفسي والخبيرة الدولية للأمم المتحدة في مجال علاج الإدمان ورئيسة وحدة الطب النفسي بمستشفى الملك فهد بجدة الدكتورة منى بنت حمزة الصواف أنه من الصعب التخمين أو الظن قطعا والفصل في هذه القضية ولا بد من دراسات "علمية- نفسية- اجتماعية"، لباحثين علميين أكاديميين ومتخصصين، يكشفون عن الأسباب، ويدرسونها، ويتوصلون إلى النتائج، ويضعون التصورات الكفيلة بالخروج من مأزق تأخير سن الزواج عند الفتيات والشباب. مبينة أن المشكلة بوجهة نظرها تكمن في التغير الذي طرأ على ثقافة المجتمع السعودي ومفاهيمه عن الزواج، فعندما كانت ثقافة الأسرة المتضامنة المتكاتفة سائدة، كان الزواج بالنسبة لهم رابطة مقدسة، لا ينفصم عراها إلا بالموت، أو الطلاق، وهو أبغض الحلال عند الله. واختتمت الصواف حديثها بأن الأسباب التي قد تدفع بعض الشباب للتأخر في الزواج عدم القدرة على توفير مؤونة الزواج، فالبطالة تحاصرهم، وارتفاع مستوى المعيشة يكبل أيديهم وأقدامهم، والسكن الذي يستنزف منهم الكثير من المال، وكذا الدواء، والماء، والكهرباء. ********** .. والشباب يضعون النقاط على الحروف: نريد الاستمتاع بالحرية وعدم التقييد!! ويممت “الرسالة” صوب مجموعة من الشباب واستفسرت عن أسباب تأخر سن الزواج فأجابوا بما يلي: تقييد الحرية بداية يوضح الشاب خضران أن أبرز أسباب التأخر لدى الشباب هو الرغبة في التمتع بالحرية وعدم حب الارتباط بالحياة الزوجية وبالتالي لا يمكن لبعض الشاب القدوم على الزواج إلا بعد فتره معينة من العمر؛ فعندما يصل عمر الشاب العشرين فإنه يبدأ في الانفتاح على الحياة ويريد أن يستمتع بها لأطول فتة. قلة المادة أما الشاب سعيد إبراهيم فيقول: إن الأسباب المادية وصعوبة الحصول على الوظائف بالذات في وقتنا الحالي هي أقوى الأسباب التي جعلت الشباب يتأخرون عن الزواج وهي أقوى العلل عند شبابنا الآن.