في حفل على شرف معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة بمنزل رجل التربية والتعليم والإدارة، وصاحب القلم الصحافي الصادق سعادة الدكتور رشيد بن حويل البيضاني، وبحضور لفيف من الصحافيين والمفكرين والأدباء ووجهاء المجتمع، سمعنا من معالي الوزير الشاعر المثقف كلمات ضافيات تتصل بالواقع الثقافي والإعلامي المعاش وترسم خارطة طريق للعاملين في الإعلام في هذه البلاد المسلمة في ظل المتغيرات السريعة التي تشبه اللمح بالبصر في تقانة المعلومات وعالم الإنترنت والفضائيات، وقد اتفقنا مع معاليه على أن تلك المتغيرات أصبحت كالطوفان الذي لا يمكن مواجهته، وقد ولّت عهود الرقابة، بعد أن أصبحت غير ممكنة على كل الأصعدة، ولا أدل على ذلك من زلزال (ويكي ليكس) كما يسمّى، الذي مازالت كبرى الدول اقتصادياً وتقانياً تعيش في بلباله حتى يوم الناس هذا، ومازالت تسريباته تصيب كبار الساسة في العالم كله بالدوار، رغم أنه ينبغي أن لا تؤخذ على مأخذ الجد كما يقال دائماً، فكيف إن أخذت على مأخذ الجد؟! ومما تحدث عنه معاليه بكثير من الشفافية والأريحية الواجب المهني الأخلاقي المنوط بكل المشتغلين بالإعلام في بلادنا المسلمة. فقد بين معاليه أن الانفتاح الفكري والثقافي والإعلامي في عهد خادم الحرمين الشريفين انفتاح غير مسبوق والهامش المتاح للكتَّاب والصحفيين والإعلاميين بعامة أصبح هامشاً عريضاً جداً، بحيث يطّلع معاليه كل يوم على مواد إعلامية لاذعة للغاية دون أن يتدخل فيها أو يمنعها، ولكن معاليه بين بوضوح أن هذا الانفتاح وهذا الهامش العريض ينبغي أن يستغلا في النقد الهادف البناء لأجهزة الدولة والقطاع الخاص، وأن يكون الهدف الأول هو الإصلاح وليس الهدم ولا يُعقل أن نغض الطرف عن كل منجزات المملكة الحضارية والعلمية والاقتصادية وسواها وما تنعم به من دعة واستقرار وعمل بشريعة الله، ثم نركز على حالات فردية محدودة ونضخمها وننسى كل الإيجابيات، وقد راق لي حديث معاليه هذا وقلت له إن بعض الناس ينتقدوننا إذا ما كتبنا عن الإيجابيات وكأن الصحافة لا هدف لها إلا تصيّد السلبيات والأخطاء، ومما أشار إليه معاليه بوضوح أنه لا ينبغي تتبع عورات الناس أو الخوض في عقائدهم وذممهم أو تصنيفهم كيفما اتفق دون دليل أو وجه حق بحيث يفسّقون أو يكفّرون والعياذ بالله. وهذا التوجيه الواضح من رجل الإعلام الأول نجد الكثير ممن يخالفونه، سواء في الصحافة الورقية أو الإلكترونية، فما أسهل الخوض في ذمم الناس وتصنيفهم وتبديعهم وتكفيرهم وتفسيقهم، والأدهى والأمر أن الأموات لم يسلموا من هذه الظاهرة المقيتة قبل أن يسلم الأحياء، وبتنا نرى ونسمع كل يوم تصنيفات لا نعرف من أين أتت وعلى أي أسس أُطلقت على الناس، فهذا صوفي، وذاك سروري، وذلك سلفي، والآخر تبليغي، والثالث إخواني، والرابع حركي، والخامس ألباني، والسادس بازي، أما ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر والحالقة فهي: هذا (ليس على المنهج) ولو كانت زاويتي هذه أوسع مما هي عليه لسردت من هذه التصنيفات العشرات. وهي تصنيفات يطلقها أيٌّ كان وكيفما اتفق، دون أي رقيب أو حسيب، علماً بأنها لا تطلق إلا على أهل السنة والجماعة وعلى أبناء هذا البلد المسلم خصوصاً. والأدهى والأمر أن بعضهم يطلقها على بعض بما يبعث على الفرقة ويشوّه صورة هذه اللحمة الوطنية التي يندر مثيلها، ومن عجب أيضا أن بعض ما يُكتب في هذا الاتجاه من الهذيان الذي يصدر عمَّن يهرف بما لا يعرف من النكرات والإمّعات تتلقفه بعض المجموعات الإنترنتية وتحتفي به وتوزعه على الناس، وينسى القائمون عليها قوله تعالى: «وقولوا للناس حسنا»، وقوله تعالى: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول»، وقوله تعالى: «ولا تنابزوا بالألقاب»، أما الخوض في عقائد الموتى وذممهم خاصة من عُرفوا منهم بالصلاح والتقوى بإجماع الناس فذلك أنكى وأشد بلاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «أذكروا محاسن موتاكم»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا صار الميت في قبره وجب عنه السكوت»، وينصرف ذلك التوجيه النبوي بالدرجة الأولى إلى المسيئين من الموتى، فكيف بالمحسنين والخيرين والعلماء والصالحين وأصحاب الأيادي البيضاء الذين اجتمعت على صلاحهم الأمة ولا تجتمع الأمة على باطل؟ إن الترويج لهذا الفكر التصنيفي غريب على مجتمعنا ولطالما حذّر منه مفكرونا وإعلاميونا من الروّاد ممن قضوا نحبهم وممّن ينتظرون، وعلى رأس من رحلوا عن عالمنا من الإعلاميين البارزين معالي الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله رحمة واسعة الذي كان يترفع عن تصنيف الناس وينظر للمسلمين كلهم نظرة احترام وتقدير، ومنهم أيضاً الإعلامي الكبير الدكتور عبدالقادر طاش، الذي ما فتئ يوجّه تلاميذه إلى جمع الكلمة وعدم بث الفتنة والفرقة، وقد قرأت ذلك في رسالة دكتوراه كُتبت عنه رحمه الله، فأين ذهبت تعاليمه وإرشاداته وتوجيهاته؟ وأخيراً أتوجه إلى كل من يبثون هذا الفكر المسموم أن يتقوا الله في الأموات قبل الأحياء، كما أتوجه إلى أصحاب القرار وأناشدهم أن يوقفوا هذا المد المخيف فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.